Advertise here

الحزب وشعرة معاوية مع فرنسا

18 أيلول 2020 08:34:18

كتبت روزانا بومنصف في النهار:

لن يكون سهلا على "حزب الله" خسارة الدولة الوحيدة المنفتحة عليه والتي تحول دون تصنيفه من دول الاتحاد الاوروبي كلها منظمة ارهابية شأن الولايات المتحدة والدول العربية. رفع سقفه الى الاعلى في بيانه الرافض التخلي عن وزارة المال وتاليا رفض المداورة كما تسمية الاخرين وزرائه. هل سيقول للفرنسيين انه تنازل في الشق الثاني ولا يستطيع التنازل في الشق الاول اي عن وزارة المال عملا بما تقوم به ايران من عدم قطع الخيوط مع فرنسا بعد الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي. سيكون الحزب في مأزق العزلة الخارجية كليا وكذلك العزلة الداخلية بعد اضطرار رئيس الجمهورية وفريقه ان يشتري اعفاء اميركيا مرحليا من العقوبات بالتخلي عن تفاهم مار مخايل والابتعاد عن العرقلة والتعطيل. ومع ما يبدو ان الحزب متمكن وممسك برقبة لبنان مانعا المبادرة الفرنسية من الترجمة، فان الثنائي الشيعي وليس الحزب وحده سيوحد اللبنانيين الاخرين ضده.

تلعب ايران لعبتها في لبنان واعطاء دور المقرر للحزب في اي مسار يمكن ان يسلكه لبنان اي مسار الانقاذ او مسار الانهيار. واللعب يجري على حافة الهاوية ان في تصعيد التمسك برفض التجاوب مع المبادرة الفرنسية التي تشكل صفقة متكاملة او من خلال الرمزية في الضغط من اجل السماح لمسؤول حركة حماس اسماعيل هنية لزيارة لبنان والتهويل من المخيمات الفلسطينية الجنوبية على اسرائيل. وهذا يدخل في اطار التصعيد الاستراتيجي الذي لا يجب الاستهانة به من زاوية استحضار ايران ومعها "حزب الله" عصبا من الاخوان المسلمين الذي لم يعد ضد نظام بشار الاسد من اجل تأمين غطاء سني للحزب في حال حصول صدام سني شيعي. وقد رأى الديبلوماسيون الغربيون والعرب هذا التطور من هذا المنظار مما اثار غضبهم من السلطة اللبنانية وتساهلها ازاء منح هنية تأشيرة للدخول كما شكل مؤشرا قويا الى الوهن الذي اصاب في شكل خاص المواقع المرجعية في الدولة وكذلك مؤسساتها سيما اذا كان يتعذر على رئيس الجمهورية وقف هذا التوظيف او هذه الاستباحة. والتوظيف الايراني او الشيعي لغطاء سني في مواجهة التطورات ليس احتمالا مستبعدا بالنظر الى ان ما يتجه اليه لبنان وفق ما يخشى هؤلاء الديبلوماسيون وعلى ضوء توظيفه في الصراع الاقليمي كما سابقا الى ازمة نظام في ظل فوضى وفلتان بات كثر يستشعرونه من الطروحات السياسية المتطرفة اكان ما يتصل بانتخابات وفق دائرة انتخابية واحدة او نسف اتفاق الطائف او الحصول على تعديل دستوري قسري تحت شعار "الميثاقية" في اعطاء وزارة المال للطائفة الشيعية.

موقف الرئيس نبيه بري بالذات شكل مفاجأة وان كان ثمة من يعتقد ان الرجل انقلب رأسا على عقب بعد العقوبات الاميركية على معاونه السياسي سيما وان الاتهامات بالفساد من ضمن مضبطة الاتهام الاميركية تصيبه على نحو غير مباشر. والاصرار على وزارة المال للطائفة الشيعية يشكل جزءا من الرد على ذلك علما ان الامر آل الى امرين: الاول ان الاصرار على وزارة المال انتقاما للصدقية او دفاعا عن السمعة لا يعني اطلاقا امكان ان يطمئن المانحون او المستثمرون الى الادارة المالية للدولة علما ان هذه الوزارة مسؤوليتها كبيرة فيما حيدت في حمأة استهداف المصرف المركزي. وهذا يعني انه في موازاة التمييز الذي احدثه لنفسه عن الحزب فان العقوبات لم تأخذ بهذا التمييز ومن هنا التكامل في موقفه مع الحزب. والامر الاخر هو ان المستغربين لموقف بري يعتقدون انه لو كانت المسألة داخلية فحسب لكان الرجل خرج ليقول انه من حرصه على المؤسسات ورغبة في عدم انزلاق البلد الى انهيار محتوم فهو مستعد للقبول بتضحية مرحلية لانقاذ لبنان واللبنانيين.

الجانب الاشكالي الذي يرسم علامات استفهام في اسقاط المبادرة الفرنسية وتاليا صدقية الرئيس الفرنسي بالذات هو الحاق الهزيمة بمساعي باريس واهتزاز صورة القدرة الفرنسية في لبنان فكيف بالمنطقة ما يخدم جملة افرقاء من تركيا في الدرجة الاولى التي تقف على طرف نقيض مع فرنسا في مسائل متعددة في المنطقة( علما ان هناك من يرمي مسؤولية التشدد في طرابلس على تركيا) وصولا الى اعطاء صدقية قوية للموقف العربي الخليجي في شكل خاص من عقم المحاولة مع لبنان الخاضع لنفوذ الحزب وعدم جدوى فتح الابواب امامه في ظل المعطيات الراهنة. واسقاط الثنائي الشيعي الرهان الفرنسي على الانقاذ علما انه سعى الى توجيه سهامه الى افرقاء الداخل تفاديا لتغذية الانطباع بالمواجهة مع الجانب الفرنسي يعني ان لبنان وحتى اشعار اخر سيفتقد حتى الى راعي توفيقي يمكن ان يساهم في رأب الصدع الداخلي في حال او متى طلب من الجميع الجلوس الى الطاولة. اذ انتهى دور رئاسة الجمهورية اللبنانية رسميا وعلنيا حين استعانت في الاسابيع الاخيرة بالفرنسيين من اجل محاولة تأليف الحكومة او الضغط على الثنائي الشيعي الذي لم يرغب رئيس الجمهورية في اعطائه وزارة المال مجددا لئلا يكون فريقه الوحيد الخاسر من المداورة ونقل عن محيطة رهانه القوي على رفض الرئيس سعد الحريري مع الرؤساء السابقين الداعمين للرئيس المكلف في التساهل مبدأ المداورة على رغم ان رئيس تياره رفض اعطاء وزارة المال للطائفة الشيعية تحت عنوان رفض المثالثة. 

تسليم فرنسا بسيطرة على البلد لا ينسف مبادرتها بل صدقيتها ايضا فيما تتحدى الاعتبارات الخارجية الاميركية والعربية. كما لا يستطيع رؤساء الحكومات السابقون والرئيس المكلف التنازل في هذا المبدأ لانه كمن يطلق الرصاص على رأسه وليس على قدميه. ولماذا يفعلون اذا كان الكرة بين فرنسا وايران او "حزب الله". تعهد سعد الحريري امام ماكرون بسحب دعمه للرئيس المكلف عند اي عرقلة. استمهل الفرنسيون رئيس الحكومة المكلف في اليومين الاخيرين قبل اعتذاره من اجل محاولة اخيرة مع الثنائي الشيعي. كان بيان الاعتذار جاهزا في موازة تصعيد "حزب الله" موقفه. 
صوملة لبنان او التنازل للحزب. يراهن الثنائي الشيعي على عدم رغبة او قدرة فرنسا في خسارة الكثير فتقدم تنازلات بتغيير معادلتها الانقاذية او بالضغط على الاخرين.