Advertise here

جعلتم الوطن مزرعة وللمواطنة درجات

17 أيلول 2020 17:41:06

مهزلةٌ كبرى يعيشها اللبنانيون لم يشهد التاريخ مثيلاً لها. سقطت الأقنعة وكُشف المستور، وتبيّن بشكلٍ قاطعٍ أن الهدف المنشود هو الحفاظ على الطائفة ومكتسباتها على حساب الوطن، دولةً وشعباً ومؤسّسات. وكل كلام بعد الآن حول الوحدة الوطنية لم يعد يجدي نفعاً. 

كل الشعارات الرنانة والطنانة حول الوطنية سقطت في وحل نواياكم المتّسخة بأحقادكم. وحتى المطالبة بجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة سقطت على أعتاب المحاصصة، وتثبيت بدعٍ جديدة بأعرافٍ من أجل حصر وزاراتٍ لطوائف معيّنة. هذا كلّه واللبنانيون يعيشون أحلك الظروف من أوضاع ماليةٍ صعبة، واقتصادية خانقة، ومعيشيةٍ مذلة.

لقد سقطتم في امتحان الوطنية. سقطتم أمام الاستحقاقات المصيرية. سقطتم في عملية إنقاذٍ مصيرية للوطن. وكيف لكم بعد الآن أن تتجرأوا  على المطالبة بالتضامن الشعبي، وأنتم لا تثقون بنظرائكم في الوطن، وترفضون منطق المداورة. لقد فرضتم رئيساً للبلاد بعد تعطيلٍ قسري للانتخابات الرئاسية كي تأتوا بمن يحمي مشروعكم، وها هو يثبت بأنه أفشل عهدٍ عرفه تاريخ لبنان. وها هم اللبنانيون على امتداد الوطن يدفعون ثمناً غالياً نتيجة اختياركم الخاطىء.

عن أي تضامنٍ شعبيٍ ستتحدثون يوماً ما. عن أي وطن جعلتموه مزرعةً تتناهشها الذئاب الكاسرة. حتى المواطنة جعلتموها درجات وفق الانتماءات المذهبية والطائفية. مَن سمح لكم بتصنيف المواطنين، ومن فوّضكم بترقيم المذاهب وفق عديدها؟ تذكّروا دائماً أن العديد لم يكن يوماً معياراً لانتماء الشعوب لأوطانها، ولا توجد طائفةٌ أشرف وأنقى وأكثر وطنية من غيرها. وإياكم والحديث عن العددية، فتاريخ لبنان يشهد أن حماة الثغور كانوا دائماً من الأقليات التي ترسّخت جذورها في تراب الجبال والوديان.

هل هي مزرعةٌ سائبةٌ لتصنَّف الوزارات من سيادية وغير سيادية؟ ومن الذي صنّفها، ومَن الذي احتكرها، ومَن الذي وزّعها؟ ما هي تضحيات ونضالات القيّمين على التوزيع والتصنيف على صفحات تاريخ لبنان؟ إنّكم بارعون جداً بالكذب والنفاق. وبأي وجهٍ ستطلّون على الناس لتحدثوهم عن الوحدة الوطنية، والانتماء الوطني، فأنتم تربعتم على قمة التعصّب المذهبي والطائفي. أنتم تدفعون البلاد نحو التشرذم والتفتيت.

يا أيها القابضون على مفاصل الحكم في لبنان، ألا تدرون أنكم أحجار "داما" تحرّك وفق المصالح الإقليمية والدولية. هل تظنون أنه، ومن باب الصدفة، تحرّك العالم فجأةً باتّجاه لبنان؟ ليس هنالك حساب لكم على طاولات المفاوضات الإقليمية والدولية، وكلّ ما تقومون به هو لتحسين شروط التفاوض لمن يحركّكم ويديركم من الخارج، وأنتم غافلون عما يحدث. ألا تمرّ لحظات تفكّرون فيها بمآسي المواطن اللبناني وهمومه؟ ألا يعني لكم أن هنالك مواطنين لا يستطيعون تأمين قوت يومهم إلّا لأسابيع معدودة؟ هل سألتم يوماً عن عدد المهاجرين الجدد إلى خارج لبنان؟ هل أحصيتم عدد المؤسّسات التي أقفلت في لبنان، أو التي صرفت ما يقارب نصف موظفيها؟ هل سألتم عن النقص الحاصل للمواد الأساسية من غذاءٍ ودواءٍ في الأسواق اللبنانية؟ بالطبع لا، لأنّ لا همّ لديكم سوى أن تظهروا كالأبطال الذين يحمون مذاهبهم وطوائفهم، وكأن غيرهم لا مكان لهم في الوطن.

لقد جلبتم القرف والمذلّة. لقد جلبتم اليأس والإحباط. دمّرتم الأمل والمستقبل للأجيال القادمة، وكل ذلك للحفاظ على مكاسب موقتة في تولي هذه الوزارة أو تلك لتخوّلكم المزيد من تقاسم الجبنة. خسئتم، وسيرتبط اسمكم دائماً بتدمير لبنان ومستقبله.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية