Advertise here

ماذا حمل لافروف والوفد الروسي إلى سوريا؟

09 أيلول 2020 18:28:06

حطّ عرّاب الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف، في دمشق للمرة الأولى بعد ثماني سنوات على زيارته السابقة، وذلك برفقة وفدٍ سياسي واقتصادي رفيع المستوى تقدّمه نائب رئيس الوزراء، يوري بوريسوف. لكنّ الاجتماع خلا من أي حضورٍ عسكريٍ وأمني. وفي ذلك دلالات كثيرة، فالزيارة تأتي في ظلّ "استاتيكو" عسكري وأمني داخلي شبه مستقر بين قوات النظام من جهة، وقوات المعارضة السورية من جهةٍ أخرى. فمنطقة إدلب التي تخضع لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا، تشهد استقراراً أمنياً منذ دخول اتّفاق إدلب بين روسيا وتركيا في 5 آذار الفائت حيّز التنفيذ، وبدء تسيير الدوريات التركية المشتركة على خطَّي حلب - اللّاذقية وحلب - دمشق. ولهذه الغاية واستعداداً لزيارة لافروف إلى سوريا استقبلت موسكو وفداً تركياً للوقوف على آخر مستجدات هذا الملف.

كما تشهد منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أميركياً، تفهّم روسيا لخصوصيّتها الكردية. ولهذه الغاية استضافت موسكو قبل أيام توقيع اتّفاقٍ بين إلهام أحمد، رئيسة "مجلس سوريا الديمقراطية"، الجناح السياسي لميليشيا "قسد" المدعومة من أميركا، وقدري جميل، رئيس "حزب الإرادة الشعبية" المدعوم من موسكو. تضمّن الاتّفاق عنصرَي "اللّا- مركزية"، ودور ميليشيا "قسد"، في ترسيخ الاستقرار في تلك المنطقة بمباركةٍ من لافروف الذي وعد بنقل مضمون الاتّفاق إلى نظام أسد.

كما تأتي الزيارة بعد أسبوعين على الجولة الثالثة لاجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، والتي تندرج أعمالها ضمن الإجراءات التطبيقية لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، حول سوريا، وهي الاجتماعات التي انعقدت بحضور المبعوث الأممي غِير بيدرسون، الذي زار موسكو وأطلع وزيرَي الخارجية والدفاع الروسيّين، لافروف وشويغو، على نتائج الاجتماعات، وأسلوب عمل وفد النظام الذي رفض اعتبار نفسه ممثلاً للحكومة السورية، في محاولة منه لتضييع الوقت والانقلاب على القواعد الإجرائية المتّبعة، والتي اعتبرتها مصادر مشاركة في الاجتماعات، نقلاً عن بيدرسون، أن الوفد، "يريد شراء الوقت إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية السورية في منتصف 2021"، وحيث يريد الأسد تنظيمها وفق الدستور الحالي. ويُعتقد أن لافروف حمل في جعبته هذا الملف أيضاً إلى الأسد لتغيير أسلوب النظام في التعاطي مع هذا الملف كذلك.

تدرك روسيا أن العقوبات الأميركية على سوريا وفق قانون "قيصر"، والذي أجمع عليه الكونغرس والمؤسّسات السياسية والعسكرية في واشنطن، بات أشبه بسيفٍ مسلطٍ على رقاب مسؤولي النظام، بدءاً ببشار الأسد وكبار مساعديه، إلى غيره من رجال أعمال، ونواب، ومسؤولين عسكريين الذين قد تصدر بحقهم عقوبات جديدة. إن مواجهة هذا القانون وأعبائه تتطلب تنسيقاً دقيقاً بين موسكو ودمشق، وإن المساعدات الروسية، والمِنح الاقتصادية لن تكون سوى أوكسجين يخفّف عبء الأزمة الاقتصادية، وسعر صرف الليرة السورية، وإنّ الحلّ الوحيد لفكّ عزلة سوريا، وإطلاق مشاريع الإعمار فيها يتطلب الشروع في الحلّ السياسي. فدخول واشنطن مرحلة الثبات الانتخابي، تعطي الفرصة للمؤسّسة العميقة، ولدور الخبراء الاستراتيجيين في رسم الحلول والسقوف الاستراتيجية لأي من الإشكاليات المرتبطة بموقف البيت الأبيض، ومنها حل الأزمة السورية. فهذه السقوف والحلول لا تتبدل مع تبدّل الرؤساء.

وروسيا أيقنت عدم وجود أي مؤشّرات على انسحاب الجيش الأميركي من شمال شرقي سوريا، وذلك حتى لو فاز جو بايدن بالانتخابات، وأنه لا تراجع عن قرار فكّ ارتباط دمشق بالمحور الإيراني، والشروع في تنفيذ المرحلة الانتقالية وفق ما نصّ عليه القرار 2254، وأن على روسيا أن تجيب نفسها على سؤالٍ طرحه الخبراء والمسؤولون الأميركيون، "هل تريد سوريا في عام 2025، كما هي عليه اليوم في عام 2020؟"

ضمن هذه المعطيات تندرج زيارة الوفد الروسي إلى سوريا. فرئيس الدبلوماسية الروسية، الذي تعايش مع التحوّلات الكبرى التي مرّت بها بلاده منذ زمن غورباتشوف حتى اليوم، لم يأتِ إلى سوريا ليقدم عروضاً، أو كي يدير مفاوضات، ولا ليستمع إلى مطالعات نظرية، ففي جعبته مجموعة من القرارات تشكّل خارطة طريق لخروج سوريا من المأزق، محصنةً بإغراءاتٍ ماليةٍ واقتصاديةٍ، بينها قروضٌ أو منح بمليارات الدولارات الأميركية. وهنالك أكثر من 40 مشروعاً قيد الدراسة في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، ومحطات الطاقة الكهرو- مائية وإعادة الإعمار.

مصادر دبلوماسية، متابعة لأجواء الزيارة الروسية، أكّدت في اتّصالٍ مع الأنباء أن الوفد الروسي أودع الأسد رسالتين واضحتين: الأولى اقتصادية، والثانية سياسية، اللتين حملها لافروف وسمع مثلهما اللبنانيون من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في زيارته الأخيرة إلى بيروت: "ساعدونا كي نساعدكم، ونخرجكم من العزلة الدبلوماسية- السياسية، وبدء عملية إعادة الإعمار". وتتلّخص خارطة الطريق الروسية بالنقاط الثلاث:

أولاً: "الإقدام على تنفيذ خطوات جدّية مرتبطة بترتيب البيت الداخلي، وإجراء إصلاحٍ دستوريٍ وفق القرار 2254، وبالتالي تسهيل مهمة اللجنة الدستورية، والشروع في تنفيذ المرحلة الانتقالية قبل الانتخابات الرئاسية وفق الدستور الجديد".

ثانياً: "إعادة تموضع سوريا في علاقتها مع إيران، والعمل على إغلاق طريق التمدّد الفارسي من طهران إلى بيروت، مروراً بالعراق ودمشق، وذلك لوقف الضربات العسكرية الإسرائيلية على القوات الإيرانية في سوريا التي تتم بموافقة أميركيةٍ وصمتٍ روسي؛ وضمان تنفيذ الاتفاق الروسي- الأميركي الذي نصّ على إبعاد إيران عن جنوب سوريا، ومنعها من مراكمة أعمالها العسكرية في تلك المنطقة".

ثالثاً: "موافقة النظام على التفاهمات التي أجرتها موسكو، مع كلٍ من واشنطن حول شرق الفرات، ومع أنقرة حول شمال غربي سوريا، أي أن يقرّ النظام في دستوره الجديد نظام اللّا- مركزية، بما يضمن العودة السلمية لتلك المناطق إلى كنف الدولة السورية الجديدة الموحّدة".

المصادر أكّدت أنّ، "بشار الأسد استمع لكلا الرسالتين بصمت، وطلب منحه الوقت لدراسة الخطة الروسية بهدوء". ورأت أنّ "مخاوف الأسد تتضخّم يومياً مع كل انسحابٍ جديد للطرف الإيراني من المشهد، الأمر الذي يفقده القدرة على مواجهة الدور الروسي وحيداً، وهذا ما جعل الروس أكثر جرأة في تناول الملفات الداخلية دون التشاور معه، لا سيّما في الجيش، وغيرها من الملفات. واليوم حدّدت له روسيا موعداً للتوقيع على الاتفاقات الجديدة، والتي حدّد موعدها نائب رئيس الوزراء الروسي في كانون الأول المقبل.

لذلك ستكون الأيام والأسابيع المقبلة اختباراً لروسيا وقدرتها على إنهاء الملف السوري من جهة، وللأسد ومدى قدرته على المراوغة من جهة ثانية، وكذلك ما إذا كان سلوكه سيكون مختلفاً هذه المرة أم أنّه سيهرب مجدداً إلى الأمام، ويلجأ إلى الإعلان عن انتخاباتٍ رئاسيةٍ مبكرة من طرفٍ واحد.