Advertise here

ضاق بهم وطنهم فاختاروا الهرب.. قصة مواطنين فرّوا بحرا وهذا كان مصيرهم

07 أيلول 2020 20:57:41

بعد التجربة المريرة للهجرة غير الشرعية من لبنان نحو قبرص في العام 2015، هل بدأت تنشط قوارب الموت في استئناف لـ"موسم الهجرة من الشمال"؟  

في وقت بدأت تتفاقم أرقام المهاجرين "الشرعيين" عبر مطار رفيق الحريري الدولي، لا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت، وقع المحظور أخيرًا، أو بالأحرى ما كان متوقعًا، مع انطلاق قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر من لبنان نحو قبرص. وحسب المعطيات الأولية، يبدو أن شاطئ الميناء شمال لبنان، هو النقطة المركزية لانطلاق "قوارب الموت". وتشير معلومات "المدن" أن ما لا يقل عن خمسة قوارب انطلقت الأسبوع الفائت من الميناء باتجاه قبرص، وعلى متنها أكثر من 200 مهاجر، معظمهم من اللبنانيين، وتحديدًا من منطقة الميناء، وعدد قليل من اللاجئين السوريين.  

الحدث اللافت، كان بإعادة السلطات القبرصية إلى لبنان 33 مهاجرًا غير شرعي (30 لبنانيا وثلاثة سوريين) وصلوا إليها بعد ظهر السبت 5 أيلول، وقد شوهد قاربهم قبالة ساحل مدينة ليماسول القبرصية، وجرى إعادتهم على متن قارب قبرصي خاص، بعد التشاور مع السلطات اللبنانية، بحجة أن قاربهم كان بحالة سيئة وغير آمن، وعلى متنه 14 طفلًا و6 نساء و13 رجلًا.  

لكن، ما القصّة الحقيقية لهذا القارب؟  
الخطر الأبرز في "قوارب الموت" الحالية، هو أن طالبي الهجرة غير الشرعية بدأوا يتحررون من فكرة اللجوء للمهربين، وصاروا يبادرون بأنفسهم لشراء قوارب بالشراكة، والهروب على متنها، لا سيما أن معظم الهاربين من الميناء يجيدون إلى حدّ ما السباحة وقيادة القوارب.  

ومن القارب الذي أعادته السلطات القبرصية إلى لبنان، استطاعت "المدن" التواصل مع عماد طرطوسي (41 عامًا)، وهو من الميناء، وأحد من قادوا ذلك القارب بالشراكة مع رفاقه.  

عماد وهو عامل في أحد الأفران، يروي قصة القارب، الذي قرر الهجرة على متنه مع زوجته وأولاده الثلاث، وكان قد اختبر وحده الهجرة غير الشرعية إلى اليونان في العام 2015. فعاد ولجأ لهذا الخيار بعد أن فشلت كل محاولاته في تقديم طلبات الهجرة الشرعية إلى أوروبا.  

قبل نحو 3 أشهر، قرر عماد مع عدد من رفاقه في الميناء أن يجهزوا أنفسهم للهجرة، بعد أن تدهورت أوضاعهم الاقتصادية لأقصى درجات الضيق والبؤس. حينها بدأوا يحضرون سويًا لشراء قارب من أجل الهروب على متنه، وتجهيزه بكل متطلبات الأمان. وبعد بحثٍ طويلٍ اشترى عماد بالشراكة مع 9 رجال آخرين قاربًا دفعوا ثمنه مع مسلتزماته نحو 20 ألف دولار أميركي، تقاسموها سويًا بعد صعوبة بالغة في تأمين المبلغ.  

ينفي عماد أن يكون قاربهم غير مجهز، "لا بل كان مدعمًا بكل ما يحتاجه، مع لوح خشبي متين، وGPS"، ويؤكد أنه صاحب خبرة  في قيادة القوارب مع بعض رفاقه، وقد تلقوا دروسًا ميدانية من أحد معارفهم تحضيرًا لهذا اليوم "المرير" وفق تعبيره.  

والوجهة الحقيقية لهذا القارب، كانت نحو إيطاليا وليس قبرص. قال عماد: "انطلقنا صباح الجمعة 4 أيلول، وبعد أن قطعنا أشواطًا كبيرة من الجهة القبرصية، وصلنا مقابل ليماسول، أي صرنا على أعتاب اليونان، لكننا تفاجأنا بعاصفة بحرية وكان الموج يتجاوز 8 أمتار". وبعد ساعات طويلة بالقيادة البحرية، تريّث المهاجرون مقابل ساحل ليماسول، وتواصلوا عبر الـ GPS مع عبّارة قبرصية لمساعدتهم واستشارتها إن كان العبور بين الموج آمنًا، فأكدت لهم أنهم سيغرقون حتمًا. وبعد مناجاة تخللها رعب وصراخ على متن القارب، توجهت العبّارة القبرصية نحوهم، وعملت على انقاذهم واحدًا واحدًا، وبقيت من الساعة الخامسة مساءً حتى الساعة الثالثة فجر السبت، إلى أن جاءت لجنة دولية لمعاينتهم.

يتهم عماد السلطات القبرصية بـ"الكذب" عليهم. قال: "في تلك اللحظات الصعبة، اخترنا الاحتماء بالساحل القبرصي بدل الموت، إلى حين انتهاء العاصفة واستكمال وجهتنا نحو إيطاليا. وبعد انقاذنا بالعبارة القبرصية، أكدوا لنا أنهم سيتوجهون بنا إلى لارنكا في قبرص من أجل البصم، وتأمين أماكن لنا، لكنهم خدعونا وعادوا بنا إلى لبنان وسلمونا للجيش، واستغرقت عودتنا نحو 14 ساعة".  

حاليًا، يجلس عماد وعائلته مع آخرين كانوا على متن القارب، في منطقة الشوف مؤقتًا، بعد أن طلب منهم الجيش الحجر الصحي. يؤكد رفضه العودة إلى الميناء، ويصر على استعداده للتفتيش عن سبيل آخر للهرب عبر البحر، بعد أن ذهب شراء القارب سدى. تابع غاضبًا: "عندما جاءت العبّارة القبرصية لانقاذنا، رمت زوجتي نفسها في البحر خوفًا من العودة إلى لبنان، فرميت نفسي وراءها إلى أن أنقذونا، لأن الموت يبقى الخيار الأفضل من العيش بمذلة في لبنان".

عالقون في قبرص  
على الحدود البحرية في قبرص، ما زال هناك عشرات اللبنانيين العالقين، وهم يرفضون العودة إلى لبنان. ومن الميناء أيضًا، هرب سامر عواد (24 عامًا) مع شقيقه وآخرين من رفاقهم إلى قبرص، بعد أن اشتروا بالشراكة قاربًا انتقل على متنه نحو 55 فردًا، وهم حاليًا عالقون داخل خيم على ساحل قبرص، ويرفضون إجبارهم على العودة إلى الساحل اللبناني. ورغم ضعف شبكة الاتصالات معهم، استطاع سامر أن يقول لـ"المدن": "وصلنا نهار السبت بعد ساعات طويلة في البحر، لم نهرب من لبنان حتى نعود إليه وقد واجهنا الموت، والسلطات القبرصية تحاول إجبارنا على العودة بطلب من رئيس جمهوريتنا، لكننا لن نرضخ لهم مهما كلف الثمن". فـ"إما الموت وإما البقاء في قبرص". 

محاولات مستمرة  
وفي سياق متصل، تشير معلومات ميدانية في الميناء لـ"المدن"، أن عشرات العائلات والشباب يستعدون للهروب عبر البحر إلى قبرص بأي ثمن، ومعظمهم بدأ يلجأ لخيار التشارك في شراء القوارب بدل الرضوخ لابتزاز المهربين، والبعض يستدين المال لهذه الغاية، ويحضرون أطفالهم وزوجاتهم لخوض هذه التجربة الصعبة، على اعتبار أنهم ذاهبون لحياة أفضل، وإلا الموت في عرض المحيط.  

في المقابل، يشير مصدر أمني مطلّع لـ"المدن" أن المهربين ما زالوا ينشطون أيضًا للاستثمار بموسم الهجرة غير الشرعية، وجرى القبض في اليومين الأخيرين على نحو 20 مهربًا. ويؤكد المصدر أن بعض المهربين يتقاضون 2000 دولار أميركي على كل رأس، رغم أن قواربهم غير آمنه، والبحث ما زال جاريًا عن فارين آخرين، وفي طلعيتهم كل من ع.ص. و ع. ر. وهما من كبار مهربي الميناء اللذين اشتهرا في موسم هجرة 2015.