Advertise here

أبداً على هذا الطريق...

21 شباط 2019 22:51:00 - آخر تحديث: 22 شباط 2019 08:52:25

أود أن أبدأ موضوعي بالتحية لروح الرفيق الشجاع المقدّم شريف فياض على ما أثبته في كتابه " نار فوق روابي الجبل"، من إحاطة بمراحل الحرب الأهلية، وأثني على ما ختم به من رأيٍ وهو من عايش المأساة وكفكف الدموع بروح المسؤولية والإقدام إذ قال:
إن كلفة التسوية مهما كانت باهظة تبقى أرخص من كلفة الحرب حتى لمن ينتصر فيها.

باسم الأعزاء الذين انتصرنا بدمائهم شهداء وجرحى ومعوّقين حيث تلمس في الفصل الخامس من كتابه تحت عنوان "مأساة عائلة" إن سمة الأخلاق في السياسة، والحرب واحدة من وجوهها هي سمة لازمت مدرسة كمال جنبلاط مع تلامذته ورفاقه ومناصريه وما زالت.

يُغفل المرحوم شريف هدف ذلك الاجتماع الذي كان في قيادة قطاع الجرد في ضيافة الرفيق فادي غريزي الذي كان يحظى بصفتين مهتمين من قيادة الحزب تلك المرحلة وهما: المحبة والاحترام.

يومها كان الاجتماع ضرورياً ومهماً، وكان يحضره الرفيقان القائدان المرحومان أنور الفطايري وشريف فياض والأعزاء الرائد رجا حرب وعصام الصايغ وفادي غريزي وبعض من مساعديه، حيث لم يكن على جدول الأعمال إلا بندٌ واحدٌ يتعلق بكيفية ترسيخ العمل المشترك مع الرفاق الحلفاء في الحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الإجتماعي.

وكان المرحوم العميد محمد سليم مندوباً للحزب القومي وهو كان يحظى باحترام ومودة من قبلنا. فهو الجنوبي المناضل الذي ساهم برسم وتنفيذ مفاهيم وتقنية العمل الوطني المشترك قبل الحرب الأهلية والذي كان يتمركز في إحدى عواصم الجنوب أكانت صيدا أم صور أم النبطية، بدأت علاقتنا بالمرحوم محمد كحزب تقدّمي مؤسس لتجمع الأحزاب والشخصيات الوطنية في الجنوب في بداية سبعينيات القرن الماضي، حيث كنا نشكل مجموعة من الردفاء مع المرحوم هاني عساف وسعيد الضاوي وقاسم صالح ومحمد فرّان وغيرهم ردفاء للممثلين الأُوائل في هذا اللقاء أمثال الرفاق علي العبد حسين والأمير طارق شهاب والمحامي عفيف حمود وحسيب عبدالجواد وسواهم من القادة.

لم يكن الود بيننا مصطنعاً ولا مزيفاً، وكان المرحوم محمد يعرف حجم الحزب التقدّمي وانتشاره في كافة الأنحاء الجنوبية في صور وقضائها وقرى الشعب من طير حرفا إلى الجبّين وياطر ومجدل زون إلى بنت جبيل وكفر تبنيت والخيام والقليلة وحولا والصرفند ضيعته حيث كانت تربطه علاقة صداقة مع رفاقنا فيها. أما ضيعة العرب فكانت لازمة تحضر معنا في كل لقاء وطبعاً كان تحالفنا وثيقاً في حاصبيا ومنطقتها. وكان محمد يثني على صفاء الالتزام عند رفاقنا وكأنهم من محازبيه.

جرت في بداية الاجتماع جردة ملاحظات حول علاقة الحزبين الكسولة والمترهلة أحياناً في بعض قرى الجبل حيث أخذ رفاقنا المعنيون على عاتقهم معالجتها ودفعها إلى الأمام بثقة القيادة الموثوقة من الناس الذين حطموا قيد الحصار وانتفضوا كما قال الرئيس وليد جنبلاط: "ادفنوا موتاكم وانهضوا".

وفي تفاصيل ذلك اللقاء الهام كان العميد المرحوم يتحفنا برزمة من الأخبار السارة والطازجة الآتية عبر مصادره من الجنوب المحتل وعن الفرحة العارمة التي تغمر الناس هناك من النتائج الباهرة لطرد دعاة السوء غربان لبنان وأعداء التقدّم من جبل كمال جنبلاط ونحن في وهج الفرح لاطمئنان الناس وسعادتهم وهم في الجنوب حملوا منذ عقود طويلة مشعل الحرية والعدالة والعروبة، وخاضوا مختلف أشكال الكفاح ضد تسلط الإقطاع وتواطؤ السلطة فيما يزداد القمع المتواصل لطموح الناس بالتقدّم والرخاء والعجز الفاضح للدولة في الدفاع عن سلامة الأرض والحدود.

كان الحوار ودياً لأقصى الحدود ونجمه المرحوم أنور الفطايري المعروف بطيب المحضر وصلابة الموقف يشاركه فيه الجميع وخاصة الرفيق العزيز الياس عطالله الذي خاض مع الرفيق أنور الفطايري أقسى المعارك الديمقراطية والمطلبية في لبنان من خلال الإتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية ويافطته العملاقة القوى الديمقراطية.

كان الرفيق الياس ورفاقه في الحزب الشيوعي اللبناني يسابقوننا الخطى في معركة الجبل بدءاً من تلة أبوحسين والفتيحات في إقليم الخروب وصولاً إلى رأس الجبل وتلال كيفون.

مع الرفيق الياس لم يكن الحوار ليشمل أكثر من توثيق الصلات والحد ضمن الممكن من جماح الطائفية والمذهبية والتحية لك أيها الرفيق العزيز.

أما فيما خص الرفيق محمد سليم فأخباره مريحة بأن جرعة الهواء تلفح الجنوب من وهج انتصار الجبل وإن بعض الأزمات تكاد تنفرج فيما خص الانتقال والتموين والنزوح.

وفيما نحن نقارب على الانتهاء من جدول أعمالنا والخروج مرتاحين من النتائج المتفق عليها وصلنا ضيوف أعزاء من رشميا كان قد مضى أكثر من سبعين يوماً على تشردهم في أحد الكهوف، وهذا ما سرده المرحوم شريف في كتاب الموثق عن الحرب وعن هذه الحادثة المؤسفة حيث تم تأمين الرعاية لهم من أقربائهم بطريقة حكاها المقدّم بكل صدق وموضوعية.

-  ملاحظتان لا بدّ من الإضاءة عليهما في هذه المأساة: الأولى أن الفتى مارون شاهين ذا العشر سنوات كان وجهه مشعاً ويبشر بالسلام وهو يخرج ممتناً العاطفة الصادقة والثانية أن الصغرى أمية رأيناها كلنا وكأنها واحدة من بناتنا الصغار. وهنا أعود لخلاصة ما أورده الرفيق شريف في نهاية كتابه عن الفارق الكبير بين كلفة التسوية وكلفة الحرب حتى لمن ينتصر.