بات الشعب اللبناني لا يعلم بمن يثق. فالسلطة السياسية التي أثقلت جراح الشعب تحت شعار "الغاية تبرّر الوسيلة"، وأصبحت وسائلها أقرب إلى وسائل المغول والهمج لتتدنّس غاياتها بعدها، لا ثقة فيها.
وأولئك الذين أيقظوا الانعزال من سباته العميق بعد أن دمّر الكيان اللبناني سابقاً، حملوا شعار الطائفة، ثمّ مضوا قُدُماً نحو تدمير العيش المشترك، والزجّ بلبنان في أفق الخراب الذي أوشك أن يتحوّل إلى أفق الحدث في ثقبٍ أسودٍ مع تذكرة "روحة بلا رجعة"، لا ثقة بهم.
والفريق الذي يناضل ويكافح، بات وحيداً في هذا الغاب حيث لا حياة لمن تنادي. فكيف يناضل بوجه سلاح فلان، وفساد فلان، وغباء فلان، وطمع فلان، من دون أن يخلّ بالأمن الداخلي، والمصالحات، والسلم الأهلي؟ فإلى أين؟
شعبٌ فقدَ الثقة داخلياً، وأمسى يتمنى لو أنه قبِل بضريبة "الواتساب". إذ بعد رفضه الأخيرة تحوّلت إلى ضريبة الحياة التي طالت كل جسد الدولة الذي تشوّه بانفجارٍ بعد أن هزل بأزمةٍ اقتصاديةٍ، وأصيب بمرض خبيثٍ بسبب التلوّث المفتعل من وحوش السلطة؛ وبوباءٍ دمّر جهازه التنفسي، وكأن القوة الساحقة للسياسة السوداء استطاعت أن تروّض الكورونا ليخدم طموحاتها.
من جهةٍ أخرى، جاء الرئيس الفرنسي ماكرون، حاملاً معه قوت الخلاص الأزلي بعد انفجار المرفأ المشؤوم، فكان في أعين الشعب كانبعاث الأمل مستحوذاً على ثقة الشعب، لكن هذا الشعب يسأل، هل هي تسوية جديدة ستعيد الأمور إلى سابق عهدها من المحاصصة؟ أم أن ماكرون على طريقة الانتداب سيمنع ذلك؟ ألف سؤالٍ وسؤال، وألف جوابٍ وجواب. يكاد دماغ اللبناني ينفجر.
لم يسلم هذا الوطن يوماً. فبعد تخبّطه بين العباسيّين والأمويين، جاء العثمانيون ثم الفرنسيّون. وبعد أن شدّ رحاله نحو لبنان المستقل، تقاتل أبناؤه عليه، ثم احتّله جاره السوري، ثم اغتيل خلاصه الثالث، بعد أن اغتيل الأول وغُيِّب الثاني، ثم احتلّه الفساد والاستكبار والاستئثار.
نعم لبنان جريح الداخل والخارج أيضاً، وما زالت أحزابه والخارج يتصارعان على الفوز بلبنان. حقاً لو كان لبنان رجلاً، لانتحر.