Advertise here

رجال سلطة لا رجال دولة

21 شباط 2019 07:20:00 - آخر تحديث: 23 شباط 2019 18:34:49

ليس ثمة دولة لا تعرف أو لا تعترف بعدد الموظفين أو المتعاملين أو المتعاقدين الذين يحصلون على مخصصات مالية من موازنتها.

بل ليس ثمة دولة موازنتها مطاطة. فهي تتمدّد، تكبر ولا يعترف مسؤولوها كيف ولماذا. ثم يقولون للناس: ليس لدينا المال الكافي لدفع الالتزامات المتوجبة علينا تجاهكم. 
ليس ثمة دولة يدخل الى صفوفها مواطنون يسجّلون على لوائح دفع الرواتب فيها دون علم مسؤولين - غير مسؤولين - بها!!

ليس ثمة دولة يعترف مسؤولوها ووزراؤها ونوابها باستمرار بالهدر والسرقة، والنهب والتهريب الجمركي والتهرّب الضريبي والصفقات والسمسرات، ثم يمارسون التهريب الوظيفي. هذه بدعة جديدة. 

لا مؤسسات تعرف لتقرّ بعدد الموظفين. المؤسسة المعنية، التفتيش المركزي تطلب من الإدارات تقديم لوائح إسمية بعدد الموظفين والمتعاقدين والمتعاملين معها، وتعلن على الملأ أن عدداً من هذه الإدارات لم يتجاوب!! والمسألة تحتاج الى دقائق لكتابة النص وإرساله. لماذا؟؟ ومن حاسب أو يحاسب؟؟ كيف دخل هؤلاء؟؟ بأي قرار رسمي؟؟ ومستند قانوني؟؟ ومن سهّل دخولهم؟؟ أين مجلس الخدمة المدنية مع معرفتنا بأن أموراً كثيرة لا تمر من خلاله؟؟ هل يجوز أن يعلن المجلس مؤخراً توقفه عن إجراء امتحانات؟؟ ولماذا؟؟ لسبب جوهري ومعيب في الوقت ذاته!! جوهري لأن جوهر مسؤوليته احترام نتائج امتحاناته. وجوهر المسؤول وأمانة المسؤول أن يلتزم بالقانون وبقرار المؤسسات إذا كان فعلاً يحترم أمانته وموقع مسؤوليته ويلتزم دولة القانون والمؤسسات. ومعيب، لأن المسؤولين رفضوا الأخذ بنتائج امتحانات المجلس وهو لا يقبل أن يكون صورة أو أداة لخدمة هذا أو ذاك من المسؤولين. فكيف إذا كان سبب تعطيل دوره مناقضاً للدستور رفعه بعضهم وهو: التوازن الطائفي غير الموجود دستورياً إلا في الفئة الأولى وعطّل هذا البعض مؤسسات الدولة، وأساء الى الناجحين في الامتحانات ومستقبلهم والى الدولة ومستقبلها . 

نحن لسنا في دولة. نحن في شركة أو مزرعة يتقاسم ما تبقى فيها وما يصل إليها عدد من المسؤولين. يهرّبون لبعضهم ويهربون مع بعضهم من واجب الالتزام ببناء الدولة وهم أنفسهم الذين يحاضرون بمكافحة الفساد ويطلقون التحديات على المنابر في هذا الاتجاه ويدعون الى العمل وأي عمل يعملون وأي زرع يزرعون، وأي تخريب يخرّبون وأي تهريب يهرّبون باسم الدولة والمستقبل؟؟

لا. لا يجوز السكوت على هذا الحال. نواب مسؤولون يتحدثون عن أرقام عدد الذين أدخلوا الى الإدارات بشكل مخالف لقانون سلسلة الرتب والرواتب. يرد عليهم وزراء "ومسؤولون" بأرقام أخرى. وكلهم ضائعون ومعهم ضاعت الدولة والقانون. 

أما السلسلة الكذبة. السلسلة "الإنتخابية". نعم، الإنتخابية لأنها أقرّت على أبواب الانتخابات وبطريقة شعبوية غير علمية أو منطقية. ولم يسمع المعنيون هذه الملاحظة الخطيرة في حينه، ليعترفوا اليوم أن ليس ثمة واردات كافية لتفي الدولة بالتزاماتها تجاه اللبنانيين في قانون السلسلة. وأفكارهم "الخنفشارية" الجديدة تتحدث عن حسم جزء من المستحقات للبنانيين، أو تجميد جزء آخر منها، بدعة لم نشهد لها مثيلاً، لكنها تعبير عن الإفلاس والهروب الى الأمام، وهذا ما سيؤدي الى مشكلة اجتماعية كبيرة. 

إن أخطر ما يمكن أن يواجهه اللبنانيون، انهيار فكرة الدولة. ساعتئذ ستقع الفوضى وسيكون الجميع في دائرة الخطر. والدولة هي القانون أولاً والمسؤول الملتزم به ثانياً. للأسف المسؤول هو الذي يتجاوز القانون وهنا الكارثة على المستويات المالية والإدارية والقضائية وغيرها لأن الأساس هو المصالح الفئوية باسم الطائفية أو المذهبية وهذا ما سيؤدي الى الفوضى العامة. 

المسؤولون عن التهريب الوظيفي والتخريب المؤسساتي الهاربون من احترام القانون والالتزام بالأمانة هم غالبية الذين أقلقوا اللبنانيين بوعودهم وبطولاتهم وتهديداتهم بتنفيذ مشاريعهم الخلاّقة. إنهم رجال سلطة وليسوا رجال دولة.

تحية الى القلّة الباقية من الذين يتميزون بعدم التلوّن والتملق والاستزلام وبشجاعة التميّز باقتران أفعالهم بأقوالهم.