قصة لبنان الكبير من مئة عام... متى نكون "كلنا للوطن"؟

01 أيلول 2020 11:07:00 - آخر تحديث: 02 أيلول 2020 01:38:11

يصادف اليوم، الأول من أيلول هذا العام، ذكرى مئويّة إعلان لبنان الكبير، ذكرى إعلان لبنان كيان مستقل، ليبدأ مرحلة جديدة من تاريخه الذي لطالما تجدّد لكنه لم يستقر على صيغة معيّنة. إلّا أن لبنان، وبعيده المئة، ليس بخير، فشعبه إما تحت خط الفقر، أو يبحث في أصقاع الدنيا عن بديل يأويه، فيما سيادته تستبيحها الخروقات الداخلية والخارجية، وحدّث ولا حرج عن قانونه الذي أصبح أداة للتضليل، وماليته التي باتت مصرفاً لبعض النافذين، والسبحة تكرّ وتكاد لا تنتهي.

مئة عام بالتمام والكمال مرّت على ذلك النهار، الذي دفع اللبنانيون لأجله الغالي والرخيص، بهدف إنشاء كيانٍ سياسي وجغرافي سيادي للاستقرار فيه، بعد أن مزّقته السياسات العثمانية، ما بين القائمقاميات والمتصرفية، وأفقدته حكمه الذاتي وسلطاته الاسثنائية، كما وجزءاً ليس بالقليل من أراضيه الخصبة التي تمتّع بها أيام الإمارة في عهد فخر الدين المعني الثاني.

فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وضعت عصبة الأمم لبنان يومها تحت الانتداب الفرنسي، وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو. وفي العام 1920، دخل لبنان مرحلة جديدة من تاريخه السياسي مع إعلان الجنرال الفرنسي هنري غورو، بصفته المندوب السامي للانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا، لبنان الكبير كياناً مستقلاً عن بلاد الشام، ذو حدود موسّعة، وعاصمته بيروت.

من على يمينه البطريرك الياس الحويّك، الذي كان له الدور البارز في مؤتمر "فرساي" للمطالبة بإستقلال لبنان عن سوريا، وعلى يساره المفتي الأكبر الشيخ مصطفى النجا، افتتح الجنرال غورو ذاك الحفل في قصر الصنوبر يوم 1 أيلول عام 1920، وأعلن من على منبره، لبنان الكبير.

وقد ضمّت سلطات الإنتداب الأقضية التي سُلخت عنه سابقاً، وهي عكّار والبقاع وزحلة وراشيا وحاصبيا، انطلاقاً من مبدأ الحاجة إلى أراضٍ منتجة خصبة للزراعة، وبحكم أن مساحة لبنان السابقة صغيرة ولا تصلح لتكوين كيان ويصبح في ما بعد جمهورية شرعية. وهكذا أصبحت مساحته 10,452 كلم2، بعد أن كانت المساحة السابقة لا تتعدى الـ3,500 كلم2.

اندرجت تلك الخطوة ضمن نظام الانتداب الذي هدف آنذاك لتثبيت الحكم الذاتي المستقل في الدول التي خضعت سابقاً للاحتلال العثماني، والامبراطوريات التي خسرت الحرب. واستكمالاً للمجريات، فقد صممت فرنسا للبنان علماً خاصاً به، وهو عبارة عن العلم الفرنسي، وتتوسّطه في جزئه الأبيض أرزة شامخة، وقد وقع الخيار عليها لما لها من رمزية للصمود والقداسة والخلود، ولجبال لبنان الغنيه بالأرز. علما أن تاريخ الحضارة الفينيقية قام على أرز لبنان، يوم صنعت من خشب هذا الأرز سفناً جابت العالم وأرست الاختراع الجديد.

بعد 6 أعوام، وإثر الضغوط الدولية التي تعرّضت لها فرنسا، أنشأت، بالتعاون مع رجال الفكر والدين والسياسة اللبنانيين، الدستور اللبناني الجديد، الذي نصَ على جمهورية الدولة اللبنانية، ونظّم فيه السلطات، وإنتُخب شارل دبّاس رئيسا لجمهورية لبنان على أساسه، في تاريخ 1 أيلول العام 1926.

إثر الدستور، لم ينقص لبنان يومها إلّا النشيد الوطني، وهو من تقاليد وجود كل دولة، وفي نفس العام، في 19 تموز 1926 صدر مرسوم جمهوري عنوانه "مسابقة لاختيار النشيد الوطني اللبناني". فأعلنت نتيجة المباراة وكان النشيد الفائز نشيد الشاعر رشيد نخلة، وقد لحّنه وديع صبرا، ليكون على ما هو اليوم.

استمر النضال من أجل لبنان، ولم يكتف مواطنو ذلك الوطن باستعادة الأراضي وتنظيم المؤسّسات، بل أرادوا الاستقلال وتقرير المصير بأنفسهم، فخاضوا تلك المعركة في العام 1943، وكان لهم مرادهم، فاستقلّ لبنان واستُكملت المرحلة الجديدة بتسلّم اللبنانيين الحكم، ليقرّوا في ما بعد الوثيقة الوطنية التي نصّت على عروبة وجه لبنان، والتوازن الطائفي فيه، في محاولة لترسيخ العيش المشترك، إذ أن لبنان وطنٌ لجميع أبنائه.

وقد عاش لبنان أفضل أيامه، بحيث ازدهر وتطور، وكان ملتقى مختلف سكّان الأرض، ورغم معاناته قساوة الحروب في العامين 1958 و1975 - ورغم الدمار الذي حلّ فيه، حتى أنه تحوّل من جمهورية إلى أشلاءٍ موزعة إرباً إرباً كل جزءٍ منها في جهة، وكأن انفجاراً ضخماً هزّ ذلك الكيانا. اهتزّ كثيراً، لكنه لم يقع إلّا أنه عاد ونهض من تحت الركام، وأسّس لمرحلةٍ جديدة قوامها لبنان الكبير.

لم نعش تلك الأيام التي حضر فيها غورو في لبنان، ولم نختبر مرحلة تأسيس هذا البلد، بل قرأناها في كتب التاريخ. إلّا أن الدولة من مئة عام كان لها، وعلى خلاف اليوم للأسف، قانونها ومؤسّساتها، وكانت حتماً أكثر تطوراً من اليوم.

أما اليوم، فترقد سكّة القطار في سن الفيل شاهدةً على أعظم مراحل لبنان، يوم خطا أولى خطواته للتقدّم، وطوّر وسائل نقله ليكون بوابة تربط الشرق البعيد بأوروبا والغرب.  لكن لم يبقَ من لبنان ذاك إلّا النشيد الذي نردّده، والعلم المعلّق على قصر الصنوبر، إلى جانب آمال بعض الشباب بخطوات مماثلة تقوم بها الأم الحنون للبنان، فرنسا، بعد أن عجز حكّامه عن تأمين جزءٍ بسيطٍ مما أمّنه الغريب يومها، فتعيد له فرصه في الاستمرار، في حين أن زواله بات تهديداً واقعا حذّر منه وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، قبل أيام.

لكن رغم هول ما حصل ويحصل، يبقى الأمل في أن يعود لبنان منارة الشرق، ليعود مواطنوه إليه، فنعمل جميعنا من أجل العلى، ولنكون كُلّنا للوطن.