أصبح اللون الأسود يستبيح مُعظم مساحات حياتنا البيضاء، وآمالنا الزاهرة وأحلامنا الواعدة. وحّلَ الظلام الدامس. ملأ طرقاتنا، وأعمى أبصارنا في عزِّ شروق الشمس، ووضح النهار.
ذاب ثلج الحرية الأبيض، وبان مرج الظلم الأسود. ملأت الغيوم الملبّدة سماءنا الصافية، فأمطرت بؤساً وفقراً، حيثُ لا مظلة تقينا، وبلّلت المأساة ومياهها الآسنة.
إن عبارة السوق السوداء، مصطلحٌ شاع استخدامه للإشارة إلى أي نشاط تجاري خارج السوق الرسمي خلافاً للقانون، وبعيداً عن رقابة السلطات، حيثُ يُمكن أن تكون البضائع والسلع والمنتجات التي يجري الاتجار بها مُقلّدة، أو مُهَرّبة أو موادَ يُحظرها القانون، وهذا نشاط تجاري غير شرعي.
فمن رحم هذا السوق وزواريبه، بعقوده وصفقاته، وبأصنافه وأسعاره، استولد لنا تجّاره الحصريون، هذا العهد، لوناً ونوعاً، والذي من الطبيعي أن تزدهر خلاله تجارة السلع السياسية على أصنافها، وكلّ ما هو غير شرعي ورسمي قبل غيرها من السلع، وهي التجارة الأكثر ربحاً لمشاريعهم، إنما الأكثر خسارةً للوطن.
في هذا العهد، أصبحت كل الأسواق سوداء. كذلك لون وجه الوطن، ومُجلّدات قوانينه، وجدران إداراته، وجوارير وزاراته، وأوسمة مسؤوليه، وجداول بيانات إنجازاتهم.
الأسعار المعيشية تتغير بين لحظةٍ وأخرى، وهي تكون في أوج صعودها كلما ازداد السوق اسوداداً.
العملة الوطنية الرسمية تتدهور، كون مصرف الظل الأسود يُمسِك بمقدرات السوق السوداء، ويُمعِنُ في رسم وتلوين المشهد في ريشة حبر اللون الواحد.
أسعار الصرف، أثناء التسوق سلعاً سياسية في أسواق لبنان السوداء، تخضع لمعادلات العرض والطلب، خاصةً لجهة ما يتعلق بالمواقف المدعومة، والتصاريح المسبقة الدفع.
الشعب رسمياً جائع، أما مرتادو الأسواق السوداء الجائعين أيضاً، والمُتخَمون غرائزاً وتبعية، يتسوّقون في زواريب البؤس المشتركة، حيث يعلو خط الفقر رؤوسهم جميعاً، رغم وصفات الشموخ ورفع الجبين المدجّجين بها على خصور بطونهم الفارغة.
في رحاب هذا العهد أصبحت أحلامنا البيضاء وجهة نظر، ومصيرنا الذي كنا ننتظره ناصعاً توشّح بثوب السواد، وأصبحنا في عهدهم وعهدتهم في وضعية انتظار ما سيؤول إليه فراغ مصيرنا المجهول المعلوم.
لكننا سوف لن نرتضي بما هو مقسومٌ ومحسوم وفقاً لمشروع قطع الحساب المشؤوم، والذي أعدّوه ليقدموه لنا على طبقٍ نراه أسوَداً، محاولين، عبثاً، كسب توقيعنا الثمين والرسمي، على هذا المشروع الزهيد وغير المشروع كونه وليد جردة حسابات أسواقهم السوداء ومتفرعاتها، ووكلائها في لبنان والإقليم.
أما جردة حسابات الشعب اللبناني اليوم، والذي تكبّد أضعاف الأثمان عندما أُجبر على التعامل مع أسواقهم السوداء، فقد سجّلت فائضاً من اليأس والإحباط والفقر.
وقى الله غداً، هذا الشعب المظلوم، من تجار السوء وأسعار هذا السوق.