المسار الذي سلكته المفاوضات بحثاً عن اسم غير مستفز لرئاسة الحكومة، أدى إلى التماهي في المواقف بين سعد الحريري ورؤساء الحكومة السابقين، الذين كانوا يختلفون معه عندما كان رئيساً للحكومة. لم ينجحوا في جلب الحريري إلى خانتهم، إنما نجح هو باستدراجهم إلى ما يريد. كانوا يعترضون على ممارسته السياسية في تقديم التنازل الذي يريده حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ دوماً. وها هم عادوا إلى ممارسته. بكل بساطة، عندما اجتمعوا وأجمعوا على تسليم إسم قبل موعد الاستشارات، لا يكون مستفزاً للثنائي الشيعي أو رئيس الجمهورية، وبما أنهم ارتضوا أن يبقى الحريري خارج المعادلة طالما أن جبران باسيل بقي خارج الحكومة، يعني أنهم بشكل أو بآخر التزموا بشروط باسيل وحزب الله!
"اللعبة" والأسماء
كانت مقتضيات "اللعبة" تفترض تغييراً في القواعد. لكنهم التزموا بالقواعد المفروضة عليهم. صحيح أن الوقائع لا تسمح لهم بإحداث أي تغيير، ولكن كان بإمكانهم انتهاز الفرصة، لإثبات رأيهم المغاير لما هو مفروض. وصحيح أيضاً أنهم لم يريدوا مقاطعة التسمية أو الاستشارات، كي لا يكونوا قد تخلوا عن دورهم وتأثيرهم. لكن كان بإمكانهم الذهاب والتوافق مثلاً مع القوات والاشتراكي واقتراح إسم من خارج "العلبة" التي وُضعوا فيها. كان بإمكانهم مثلاً اختيار نواف سلام، في تعبير أولي رافض للالتزام بقواعد اللعبة التي كانت سائدة ما قبل 4 آب، وعندها يرمون الكرة في ملعب حزب الله وحلفائه. فإما أن يتلقفوا ما ذهبوا إليه، أو يذهب الحزب إلى خيار مغاير.
فضلوا العودة إلى لعبة التسوية والحسابات الآنية والمستقبلية. وعليه استمرت الاتصالات طيلة ليل السبت ويوم الأحد، بحثاً عن إسم يحظى بتوافق الجميع. كانت الخيارات كثيرة. أسماء عديدة سُرّبت، بينها خالد قباني، ريا الحسن، رشيد درباس، بهية الحريري، سمير حمود رئيس لجنة الرقابة على المصارف، وشخصيات اقتصادية ومالية أخرى. لكن الأكيد أن كل هذه الأسماء لم تكن مطروحة بشكل جدّي. لم يكن الحريري في وارد تسمية أي شخص محسوب على كتلته النيابية أو تياره. فلو أراد ذلك، لكان جاء هو بنفسه. هذا الأمر سيتم التداول به وحسمه في اجتماع كتلة المستقبل النيابية، وفي اجتماع رؤساء الحكومة السابقين، قبل تسليم الإسم إلى الرئيس نبيه بري، والتوافق حوله.
سفير في أوروبا!
كل معلومات رؤساء الحكومة السابقين، كانت تؤكد أنه تم الاتفاق على إسمين، من خارج ما هو متداول، ولم يتم التداول بهما على الإطلاق. فيما كان ينتظر حزب الله والرئيس نبيه برّي التبلغ بهذين الإسمين مساء الأحد. ليتم اتخاذ القرار النهائي. من بين الأسماء التي اقترحت، شخصيات تعمل خارج لبنان. ومن بينها سفير في دولة أوروبية وهو من شمال لبنان، يبدو أنه هو الأوفر حظاً لهذا المنصب، ويحظى برضى غربي وتوافق محلّي، بحكم علاقته الجيدة برؤساء الحكومة السابقين ويمثل تقاطعاً بينهم، وتربطه علاقة جيدة أيضاً بالرئيس نبيه بري، وعلاقاته جيدة أيضاً بكل مكاتب الأحزاب اللبنانية في الدولة حيث يعمل. كما أن وجوده سيكون له مؤشر وارتباط بملفات عديدة تتعلق بموضوع الإصلاح وتمثّل أولوية ومدخلاً أساسياً للإصلاح.
الشخص المعني هو سفير لبنان في ألمانيا، مصطفى أديب، والذي كان سابقاً مديراً لمكتب الرئيس نجيب ميقاتي في لبنان. تم التوافق على اختياره، إذ تشير المعلومات إلى أن عملية تبنيه حصلت بعد تزكيته من قبل جهات غربية، وبما أنه يمثّل تقاطعات متعددة. في المقابل، اقترح الرؤساء أيضاً اسم القاضي غسان عويدات من بين المرشحين، ورئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت. رفض عون وحزب الله الإسمين الأخيرين وقبلا باسم أديب.
خطأ رؤساء الحكومات لا يمكن أن يغتفر بما ارتكبوه. أولاً أضعفوا موقعهم أكثر، وأسهموا في هلهلة موقع رئاسة الحكومة، وعدا عن أنهم رضخوا لشروط عون وحزب الله، أعطوهم فرصة جديدة، لفرض المرشح الذي يريدونه، بدلاً من إصرار الرؤساء السابقين على إسم بدون التزحزح عنه. بهذا الخطأ كرّس عون سابقة جديدة في أن يختار هو رئيس الحكومة، بينما من كان يستميت دعائياً بالدفاع عن إتفاق الطائف والصلاحيات، ارتكب خطيئة مميتة قضت على الطائف نهائياً. الفارق الوحيد، أنهم منحوا لحزب الله وميشال عون اختيار "حسان دياب جديد" لكن هذه المرّة مقترح من قبلهم.