Advertise here

رفع الدعم: الخط الأحمر

29 آب 2020 18:15:00 - آخر تحديث: 29 آب 2020 18:26:14

مع اقتراب احتياطي مصرف لبنان من عتبة الاحتياطي الالزامي بالتزامن مع تخطي نسبة الفقر 55,5% من اللبنانيين ورزوح ما يزيد عن 23% تحت خط الفقر المدقع (أي بزيادة تقارب 183% خلال عام) وتواصل اندثار فئة ذوي الدخل المحدود التي انزلقت من نسبة 57% من السكان في العام 2019 الى أقل من 40% في العام 2020، انبرت جوقة المهللين لنظرية رفع الدعم بذرائع مختلفة، فمنهم من استفاق فجأة على نظرية "القسائم المدعومة" (Coupons) مبررين ذلك بفرضية الدعم الذي يستفيد منه الثري أكثر ما يستفيد منه صاحب الحاجة الفعلية ومنهم من يعتبر بأنَّ الدعم ساهم بشكل أساسي بنمو ظاهرة تهريب السلع المدعومة عبر الحدود مفترضين ان التهريب قدر حتمي تتحكم به فوارق الأسعار بين سوقي لبنان وسوريا مسلمين مسبقاً بعجز السلطات اللبنانية المولجة حماية الحدود او حتى تواطئها، وآخرين اعتبروا انَّ الدعم آفة اقتصادية ساهمت بقدر كبير بتدهور المالية العامة، متناسين اللائحة الطويلة من الموبقات المالية والاقتصادية التي طالما نظروا لها قبل ان يتداعى الهيكل.


تجدر الإشارة الى انَّ التقرير الاحصائي الخاص بالمؤشر القياسي لأسعار الإستهلاك حدد ارتفاعاً بنسبة سنوية بلغت 112,39% ما بين تموز 2019 وتموز  2020 رغم دعم دولار استيراد المشتقات النفطية والقمح والادوية، علماً انَّ الفترة نفسها من عامي 2018 و 2019 لم تشهد الا على زيادة بنسبة 1,45% رغم عدم وجود دعم. ويشير التقرير الى ان أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية قد ارتفعت بنسبة 336.22% ويبين الجدول التالي بعضاً من نسب ارتفاع الأسعار القياسية التي طالت عينة من السلع الغذائية الأساسية:

 


كما طال ارتفاع الأسعار بنسب متفاوتة كلٍ من المواد المدعومة المبينة في الجدول التالي:



 


ومن المتوقع في حال رفع الدعم الكلي عن المنتجات الأساسية كالمشتقات النفطية والقمح والادوية ان يصيب الأسعار ارتفاع جنوني، فتصبح كما يلي:

 


من المؤكد ان العوامل التالية كان لها تأثير أساسي في الحفاظ على نسبة الغلاء المحددة بـ 112,39% ما بين تموز 2019 وتموز 2020:
•    دعم المشتقات النفطية والقمح والدواء.
•    دعم السلع الغذائية الأساسية.
•    ارتفاع محدود لكلفة المسكن والماء والغاز والكهرباء بنسبة 11,57%.
•    زيادة محدودة لكلفة التعليم بلغت 4,4% رغم عدم بدء العام الدراسي الجديد.
    ارتفاع محدود لكلفة الاستشفاء رغم ارتفاع زاد عن نسبة 250% لبوالص التأمين الصحي بين شهري أيار وحزيران من العام 2020.

من المؤكد انَّ أي عبث يطال رفع الدعم في هذه المرحلة المأزومة مالياً واقتصادياً واجتماعياً سوف يؤدي حتماً الى مضاغفة نسبة الغلاء السنوي لتتخطى حدود الـ200% مما سيؤدي حكماً الى تدهور القيمة الشرائية لدى اللبنانيين والى اتساع هامش الفقر من خلال القضاء كلياً على فئة ذوي الدخل المتوسط.

من المجدي في ظل تفاقم الأزمات بتعقيداتها المتشعبة إيلاء الشق الاجتماعي الأولوية القصوى والاتعاظ من التجارب التاريخية القريبة، فقرار خفض الدعم عن بعض المنتجات الغذائية الأساسية أدى الى انتقاضة يناير 1977 في مصر والمعروفة بانتفاضة "الخبز" كما حصل في تونس من حركات احتجاجية واسعة في مطلع العام 1984 بفعل قرار مماثل وعلى غرارها ما سمي "بثورة الخبز" في الأردن في العام 1996.

تسارعت عجلة التحليلات والاقتراحات التي تراوحت بين الرفع المطلق للدعم وبين نظرية "الكوبونات" وبين "صندوق الاوكسيجين" (Oxygen Fund)، الا ان الحل الجذري البعيد عن المعالجات التقليدية المختبرة على مدى عقود يبقى في مكان آخر.

ما يجهله اللبنانيون برغم الادراك المسبق لنظرية فرض ضرائب ورسوم في ظل انكماش اقتصادي حاد قد يفضي الى نتائج عكسية سلبية، إلا أنَّ ما يجهله غالبية اللبنانيون انَّ نظامنا الضريبي المشوه يحمل العبء الأكبر من الضرائب لذوي الدخل المحدود والمتوسط ويمنح ذوي الثروات والمداخيل الكبرى امتيازات وإعفاءات لا مثيل لها على وجه المعمورة.

-هل يعلم اللبنانيون انَّ اليخوت الفاخرة التي قد تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات معفية من الضرائب  والرسوم الجمركية في حال امتلاك أصحابها (اللبنانيون) جنسية أجنبية؟
-هل يعلم اللبنانيون انَّ اليخوت الفاخرة المملوكة من اللبنانيين والتي يتخطى طولها الـ15 متراً معفية من الجمارك؟
-هل يعلم اللبنانيون انَّ غالبية مالكي الطائرات الخاصة من اللبنانيين معفيين من الرسوم في لبنان حيث يقومون بتسجيلها في الخارج لتخضع لقوانين الدول الأجنبية ذات الرسوم المنخفضة؟
-هل يعلم اللبنانيون انَّ الهيئات الدينية والوقفية معفية من الضرائب والرسوم؟
-هل يعلم اللبنانيون ان العقارات غير المبنية الشاسعة لأصحاب الثروات معفية من الضرائب والرسوم؟
-هل يعلم اللبنانيون ان لا ضرائب ورسوم استثنائية على السيارات والمركبات الفاخرة التي تزيد قيمتها عن مئات آلاف الدولارات؟

ما ذكر ليس إلا عينة صغيرة من لائحة الإعفاءات والتخفيضات الضريبية التي تتمتع بها شريحة الأثرياء الممسكة بمقدرات البلد المالية والتي لا تزيد 0,5% من اللبنانيين.

في الخلاصة،
-أما آن الأوان لتصحيح بنيوي للنظام الضريبي المشوه؟
-أما آن الأوان لتطبيق الضريبة على الثروة ومظاهرها؟
-أما آن الأوان لضبط التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية؟
-أما آن الأوان لتطبيق الإصلاحات البنيوية المنتظرة من اللبنانيين ومن الخارج منذ عقود؟

اتركوا الخبز لأصحابه... واعلموا انَّ الهدر السنوي لقطاع الكهرباء وحده يساوي مليارين وعشرون مليون ربطة خبز كفيلة باطعام اللبنانيين لما يزيد عن أربعة أعوام!!!

(*)مسؤول الملف الاقتصادي في الحزب التقدمي الإشتراكي