Advertise here

مزيد من القرارات الارتجالية للحكومة المستقيلة... 120 موظفاً باتوا عاطلين عن العمل رغم توفّر الحلول

29 آب 2020 14:26:00 - آخر تحديث: 29 آب 2020 14:43:31

في خطوةٍ لا تنفصل عن المسار العشوائي الذي انتهجته الحكومة منذ تشكيلها، والتي كانت خلف التراجع المدمّر الذي أصاب مختلف مؤسّسات الدولة المنهكة أصلاً، قرّر رئيسها، حسان دياب، وبهدف "ترشيد الإنفاق"، إنهاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي undp، وإنهاء عقود معظم الموظفين، لتوفير قرابة 60 مليون دولار تُصرف من الخزينة سنوياً.

إن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعمل في لبنان منذ خمسة عقود تقريباً، وتحديداً منذ العام 1960، واستمر عمله حتى في الحرب التي اندلعت عام 1975 واستمرّت حتى العام 1990، وتابعه في ما بعد. أما وظيفته الأساسية  فتكمن في تطوير مؤسّسات الدولة، والتوجيه بهدف تحديد الحاجات والأولويات الوطنية، وذلك في ظل تغييرات إنمائية وأمنية، من أجل المساهمة في تحقيق الأغراض الإنمائية على المدى البعيد.

وبالفعل باشرت الوزارات في هذا المسار، وبدأت بفسخ عقود عددٍ كبيرٍ من الموظفين، وبالتالي تركهم لمصيرهم، دون أي ضمانات اجتماعية، خصوصاً أنهم غير مضمونين لدى الجهات الضامنة العامة، ما يعني أنهم أمام كارثة خطيرة ستداهمهم في هذه الأيام العسيرة.
 
جريدة "الأنباء" الإلكترونية تابعت هذا الإجراء، وقد كشفت مصادرها أن "عملية فسخ العقود ستطال تقريباً 120 موظفاً". 

وقد رأى موظفٌ من بين الذين طالهم الإجراء، وفضّل عدم ذكر اسمه، في هذه الخطوة آثاراً مدمّرة وخطيرة على مختلف الصُعد. فبالنسبة للموظفين تنتظرهم أزمة معيشية عند توقّف عقودهم، وبالتالي التوقّف عن تقاضي رواتبهم، خصوصاً في غياب أي من التقديمات الاجتماعية في وقتٍ صعبٍ كالذي نمرّ به، إضافةً إلى أن بعضهم أيضا تكبّد الخسائر بسبب الانفجار الذي حصل في بيروت، ما زاد الأمر سوءاً على الصعيد الشخصي. كما أن نسب البطالة المرتفعة أساساً في البلاد، ستشهد زيادةً إضافية بعد الفسخ.

أما على صعيد القطاع العام، فقد وصف الموظف الخطوة بـ"القرار الخاطئ وغير المُحق، لما له من نتائج سيّئة على عمل الدولة، إذ أن هؤلاء الموظفين يتمتّعون بكفاءةٍ عالية، وإنتاجية مرتفعةٍ تُميّز عملهم، نسبةً لالتزامهم بمعايير الأمم المتحدة، كما أنهم أجروا أثناء تقدّمهم للوظيفة امتحانات وفق آليةٍ شفّافة، كما يخضعون لرقابةٍ وتقييم سنَويَين". 

أما في ما خصّ الإشاعات عن رفض الموظفين الاستمرار في عملهم مقابل تقاضي رواتبهم كاملةً بالليرة اللبنانية، بدل تقاضي جزءٍ منها بالدولار، فقد نفى الموظف المذكور وجود هذا العرض من الأساس، ولفت في هذا السياق إلى أن، "المفاوضات التي سبقت فسخ العقود ما بين الدولة والبرنامج كانت غير شفّافة، في ظل غياب أي محاضر للاجتماعات، وعدم معرفة الفريق المفاوض من جهة الحكومة". وقد ربطت المصادر هذه الإشاعات بعملية تضليل حاصلة في هذا المجال لتمييع القضية.

وفي السياق نفسه، أشار إلى أن "موظّفي البرنامج هم أشخاص مسؤولين، ويمارسون مهامهم بوعي، ويتحسّسون حراجة الوضع الذي تمر فيه البلاد، ولذا، من المستَبعَد رفضهم لهذا العرض".

وفي ما خصّ إنتاجية الدولة، رأى أن "هؤلاء الموظفين من بينهم كفاءات لها مساهماتها في الإدارة أسوةً بموظفي الملاك في الوزارات الذين فيهم الكثير من الكفاءات العالية".

أما بالنسبة لمشاريع القطاع العام التي يرعاها البرنامج، فقد اعتبر الموظف أن "المشاريع هذه حسّاسة، وفسخ العقود اليوم يعني العودة عن هذه المشاريع، وهي خسائر تتمثل بمئات الملايين من الدولارات. إذ أنها هدفت لتطوير هيكلية الدولة وبالتالي تطوير عملها، واليوم ستذهب سدىً. ونذكر منها على سبيل المثال، مشروع إعادة هيكلة مؤسّسة الضمان الاجتماعي لإعادة النظر بكل الإجراءات، كما ومكننة أعمال المرفق، والدراسات جاهزة في هذا السياق. وهناك مشروع آخر يرمي لمكننة المحاكم، وهذا المشروع يمثّل ركيزة الإصلاح القضائي، والرجوع عنه يُعدّ ضربة قاسية للإصلاح باعتراف قضاة في مجلس القضاء الأعلى، ومجلس شورى الدولة".

ورداً على الهدف المنشود الذي طرحته الحكومة لإنهاء هذا البرنامج، فقد استغرب الموظف، "المسّ بهؤلاء الموظفين، وتجاهُل آلاف التوظيفات الانتخابية العشوائية التي تمّت سابقاً. وفي هذا الشأن سوء إدارة وهدر للمال العام". 

كما وطُرحت علامات استفهام وذهول عديدة لجهة، "الأسباب الحقيقية الكامنة وراء فسخ العقود، خصوصاً وأن البرنامج يستمد قانونيته من قرار لمجلس النواب الذي يعطيه شرعية حتّى نهاية العام الحالي، وقرارات من مجلس الوزراء لآخر العام أيضاً، في حين أن الدولة قادرةٌ على تحقيق التقشّف في مختلف القطاعات التي تكبّد الخزينة الكثير من الهدر". 

وتساءل الموظف عن، "الأجندة والغايات الحقيقية المخفية وراء إلغاء هذه العقود، وتدمير بنيان الدولة. فهل هو إجراء لضرب آلية الإصلاح والنهوض بهدف عرقلة عمل الحكومة القادمة؟ خصوصاً وأن البرنامج يُعدّ ذراع مجلس الوزراء للعالم الخارجي والجهات المانحة، وعملية الفسخ تُعدّ رسالة سيّئة للمجتمع الدولي؛ أم أن التوظيف السياسي كبديلٍ في أماكن الشغور هو الغاية الأساسية وراء هذا الإجراء؟"

وفي سياق البدائل لتعويض الخلل، خصوصاً وأن هؤلاء الموظفين يتبوأون مراكز حساسة، لا سيّما في وزارة المالية والتنمية الإدارية وغيرها، فقد لفت إلى أنه، "من الصعب اليوم إيجاد موظفين أفضل من موظفي الأمم المتحدة، بحكم أنها مؤسّسة دولية، والخيرات التي سنخسر خدماتها في سبيل بلادنا تدمي القلوب".

ورداً على سؤال حول موعد فسخ هذه العقود، بحال كان ما قبل استقالة ًالحكومة أو في ما بعدها، خصوصاً وأن التجارب غير مشجّعة في هذا السياق في ظل العديد من الخروقات، فقد كشف أن، "الموظفين تبلّغوا بالموضوع في تاريخ 19 آب، أي بعد الاستقالة بتسعة أيام، ما يثير تساؤلات عديدة، فيما الجهات الرسمية أبلغتهم أن البت بالموضوع تم قبل الاستقالة ببضعة أيام". إلّا أن المصادر رأت أن، "التعامل مع ملفٍ ضخم بهذه الخفة، والبت به قبل أيام من استقالة الحكومة، يثير علامات تعجّب جديدة".

لذا، من الواضح أن السلطة تمعن في تدمير ما تبقى من مؤسّسات منتجة، كما وأي أملٍ بإجراء إصلاح فعلي وتطوير الإدارة العامة في لبنان في ظل ما يعانيه القطاع العام من أزمات تحول دون تقدّم الدولة والمجتمع، في وقت يرقد فيه لبنان في العناية الفائقة، وهو بأمسّ الحاجة إلى الشروع في الإصلاحات التي لطالما نادت بها جهات داخلية وخارجية، من أجل وقف الهدر الحاصل في المؤسّسات، واستقطاب الأموال الخارجية على حدٍ سواء.