Advertise here

أحداث خلدة و"الإنذار المبكر"

29 آب 2020 08:12:00 - آخر تحديث: 24 أيلول 2020 15:31:05

ما جرى في منطقة خلدة "أكبر من إشكال وأقل من اشتباك".. إنها حادثة "خطيرة" في توقيتها ومناخها وكيفية تطورها سريعا في منطقة تعد موقعا استراتيجيا على الطريق بين بيروت (وضاحيتها الجنوبية) والجنوب، وتضم خليطا من المكونات والقوى الطائفية والحزبية (المستقبل ـ حزب الله ـ حركة أمل ـ الاشتراكي ـ الديموقراطي اللبناني) التي تعاونت أمس لحصر التوتر ومنع تطوره نحو الأسوأ، إضافة إلى الطرف الرئيسي المتمركز في هذه المنطقة المنتمي إلى "العشائر العربية" والمعروفين بـ "عرب خلدة".

ساعات من إطلاق النار الكثيف الذي أسفر عن سقوط قتيلين وعن نشر حال من الرعب في صفوف المواطنين وإقفال الأوتوستراد الساحلي "الحيوي"، وتخللته عملية إحراق انتقامية لمبنى سكني تجاري. وتطلب الأمر تدخلا حازما كثيفا للجيش اللبناني الذي دفع بقوات النخبة (المغاوير) للسيطرة على الوضع، كما تطلب اتصالات على أعلى المستويات للتهدئة، وكان قطباها تيار المستقبل وحزب الله، وكان فيها اللواء عباس إبراهيم وسيطا وساعيا.. إلى أن تم احتواء الوضع وإعادته إلى طبيعته في ساعة متقدمة من الليل.

حوادث خلدة، أيا تكن أسبابها وشرارتها، تقرع جرس "الإنذار المبكر" وتشكل مؤشرا إلى "وضع أمني آخذ في التفلت والتفكك" أكثر فأكثر، والى "فتنة" تطل برأسها وعناصرها متوافرة في بيئة حاضنة لها.. ويمكن وضع حادثة خلدة في إطارين منفصلين ومتكاملين في آن:

- الأول يتعلق بالتوتر السني الشيعي المتصاعد على خلفية مذهبية وسياسية لأسباب وعوامل متراكمة، كان آخرها الحكم الصادر عن المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتضمن إدانة لأحد عناصر أو مسؤولي حزب الله سليم عياش، من دون إغفال الأسباب السياسية التي تسهم في شحن الأجواء، ومنها ما يتصل بإضعاف دور وصلاحيات رئيس الحكومة والإتيان برئيس حكومة من خارج التمثيل السُني. ويترافق ذلك مع تغيير حاصل في الساحة والخارطة السنية، ويتمثل في الضعف اللاحق بالرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، وما يمثله من "قوة اعتدال" مقابل تنامي نفوذ قوى التطرف والتشدد.

وسواء كانت شرارة واقعة خلدة خلاف على يافطة دينية عاشورائية أو على رفع صورة لسليم عياش، فإن "المضمون أو الخطر الفتنوي" موجود وقابل لأن يظهر مجددا في أي منطقة وفي أي لحظة إذا وجد الصاعق المفجر أو إذا حصل دخول لجهة ثالثة متربصة أو لـ "طابور خامس" يسهل عليه الاصطياد في المياه المذهبية العكرة، بدليل أن جزءا أساسيا من الجهود والاتصالات ليل أمس ركزت على حصر التوتر ومنع تمدده إلى مناطق أخرى في العاصمة أو في عكار، حيث التواجد الأساسي لـ "العشائر العربية" التي تأرجحت مواقفها وبياناتها بين التضامن مع عرب خلدة وعدم السكوت بعد الآن، وبين الاحتكام الى الدولة والبقاء تحت سقف القوانين.

- الثاني يتعلق بمجمل الوضع الأمني الذي يسجل في الآونة الأخيرة خروقات متزايدة عبر حوادث منفصلة تصب في ضرب نقطة القوة الوحيدة المتبقية: الاستقرار الأمني. فقد حصل منذ أيام اشتباك محلي بين عناصر حركة أمل وحزب الله في بلدة لوبية الجنوبية على خلفية رفع "رايات عاشورائية" وسقط قتيل وأحرق مبنى سكني.. كما حصل إشكال وتوتر في بلدة سعدنايل البقاعية حصل خلاله إطلاق نار على مسجد وقطع للطريق الرئيسية لساعات.. والحادثة الأهم والأخطر سجلت في قرية كفتون في الكورة واكتسبت طابعا إرهابيا على يد مجموعة مسلحة لها سوابق إرهابية، من دون أن يعرف الهدف الفعلي للعملية التي ذهب ضحيتها ثلاثة شبان من البلدة.

"جريمة كفتون" سلطت الضوء على تنظيم "داعش" واحتمال معاودة نشاطه في لبنان بالتزامن مع اطلالته المتجددة في سورية والعراق.. وجاء الإعلان عن إلقاء "شعبة المعلومات" القبض على "إرهابي داعشي" كان بصدد إعداد لعملية انغماسية تستهدف عناصر في الجيش وقوى الأمن، مستغلا مشاركته في منطقة الجميزة لرفع الأنقاض مقابل بدل مالي، جاء هذا الإعلان ليعزز القلق وفرضية وجود مخاطر أمنية وخلايا نائمة تحاول الاستفادة من مناخ التوترات والخلافات السياسية والطائفية، ومن مرحلة الفراغ وانعدام الوزن للنفاذ إلى الوضع الأمني والعبث به.