لا فرق بين "المقيم" و"غير المقيم"، إلا بالتعميم الوسيط رقم 13260. فالحفاظ على المصلحة العامة في الظروف الاستثنائية الراهنة، تطلبت من مصرف لبنان التمييز في عملة تسديد القروض بين المقيمين والمغتربين. فهل هذا الاجراء قانوني ولا يتعارض مع مقدمة الدستور التي تؤكد على التساوي بين المواطنين؟
في التعميم المذكور يطلب مصرف لبنان من المصارف عامة قبول تسديد الاقساط أو الدفعات المستحقة بالعملات الاجنبية الناتجة عن قروض التجزئة، بالليرة اللبنانية، على أساس السعر المحدد في تعاملات مصرف لبنان مع المصارف (حالياً بقيمة وسطية 1507.5 ليرات لبنانية للدولار الواحد)، وذلك في حال كان المقترض "مقيماً" ولا يملك حساباً بالعملة الاجنبية. أما إذا كان المقترض من "غير المقيمين" فيتوجب عليه الدفع بالدولار النقدي أو "اللولار"، اذا كان قرضه يصنف من ضمن فئة قروض التجزئة او الاسكان. في المقابل يتوجب عليه دفع أقساطه بالدولار النقدي الطازج المحول من الخارج حصراً في حال كان القرض يصنف من ضمن قروض الاعمال.
الفرق بين المقيم وغير المقيم
بحسب القرار الاساسي رقم 6170 تاريخ 17/05/1996 يعتبر غير مقيم في لبنان كل من:
- الاشخاص من الجنسية اللبنانية أو الاجنبية الذين يعملون بشكل متواصل في الخارج لمدة سنة على الأقل، أينما كان مركز إقامتهم الرئيسي في لبنان أو الخارج.
- الاشخاص الذين يتواجد مركز إقامتهم في الخارج ويعملون بشكل متقطع في لبنان لمدة أقل من سنة.
- الأجانب الذين يتواجد مركز إقامتهم الرئيسي في الخارج والموجودون في لبنان للدراسة أو للطبابة مهما طالت مدة إقامتهم في لبنان.
- الأجانب أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي، والموظفون الرسميون في السفارات والمصالح الأجنبية في لبنان والمنظمات الدولية.
- اللبنانيون أو الأجانب الذين لا يعملون إنما يقيمون بشكل رئيسي في الخارج لمدة سنة على الأقل.
أما بالنسبة إلى المؤسسات والشركات، فتعتبر غير مقيمة كل من:
- الشركات والمؤسسات اللبنانية وفروعها (بما فيها المستشفيات والمدارس...) المتواجدة في الخارج التي تمارس نشاطاً اقتصادياً تفوق مدته السنة، أو تملكت حقوقاً عينية أو عقارات في الخارج بهدف ممارسة نشاط اقتصادي.
- شركات ومؤسسات الـ "أوف شور" المتواجدة خارج الاراضي اللبنانية.
- السفارات أو القنصليات أو المصالح الاجنبية المتواجدة في لبنان.
- المنظمات الدولية في لبنان.
غياب السعر الرسمي
"اللافت في التعميم من حيث الشكل هو عدم اعتبار السعر 1507.5 "سعراً رسمياً"، بل السعر المحدد في تعاملات مصرف لبنان مع المصارف"، يقول المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن. "فمن بعد بدء انخفاض الليرة مقابل الدولار استبدلت صفة السعر الرسمي للعملة بـ "السعر المعتمد رسمياً"، لنصل اليوم إلى تسميته "السعر المحدد في تعاملات مصرف لبنان"، كما جاء في نص التعميم، مما يعني انه، بالنسبة لمصرف لبنان، لم يعد لدينا سعر رسمي واحد محدد لعملتنا الوطنية".
وبحسب الخازن فان "تحديد السعر الرسمي يتم بطريقتين: إما اصداره بقانون يصدر عن مجلس النواب، كما تنص المادة الثانية من "قانون النقد والتسليف"، بعد احتساب كمية الذهب والعملات الاجنبية بالمقارنة مع كمية العملة اللبنانية المطبوعة والموجودة في السوق. وهو ما يخفض في حال اعتماده قيمة الليرة إلى أرقام خيالية نتيجة ضخامة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية. إما عبر اعتماد الطريقة المتعارف عليها عالمياً، وهي اللجوء إلى سعر التداول في البورصة Forex. وفي حالتنا الحاضرة يكون السعر المتداول في السوق والذي هو 8 آلاف ليرة لبنانية.
التوازن الصعب
أما من حيث المضمون فيرى الخازن ان "النص الذي هدف إلى ايجاد نوع من التوازن بين قدرات الافراد والنقص الهائل بالدولار، والتخفيف عن كاهل كل من المقترضين من اصحاب الدخل المتوسط والمصارف التي لم يعد باستطاعتها الصمود في هكذا ظروف، غير مخالف للدستور اللبناني. فروحية نص الفقرة "ج" من مقدمة الدستور والتي نصت على المساواة في الحقوق والواجبات، نصت ايضاً على العدالة الاجتماعية. وكون مدخول المقيمين فَقَد اكثر من 70%من قيمته الشرائية فيكون تدخل مصرف لبنان يهدف الى محاولة تحقيق تلك العدالة. من هنا فان العاملين في الخارج أو الذين تنطبق عليهم أحكام غير المقيمين، ويتقاضون أجورهم بالدولار النقدي... لا يمكن مقارنتهم بأي شكل من الاشكال مع المواطنين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية.
تحمُّل مصرف لبنان الفرق الكبير الناجم عن تسديد المدينين قروضهم على اساس الـ 1507، بدأ يضغط على كمية الدولارت المخصصة لدى مصرف لبنان لهذه العمليات. وفي ظل انعدام الودائع المباشرة وعجزه عن شراء الدولار واتخاذه القرار بتسليم الحوالات الالكترونية بالعملات الاجنبية مباشرة للمستفيدين، "عمد إلى اللجوء إلى قرارات استثنائية غير اعتيادية لمواجهة النقص الهائل بالدولار"، يقول الخازن. فالازمة المتفاقمة حولت المركزي إلى ما يشبه "الفيل العالق في غرفة مليئة بالكريستال" كيفما كانت تحركاته، وحتى لو هدفت الى محاولة التخفيف عن كاهل المقترضين والمودعين، وبغض النظر عن مدى مشروعيتها او قانونيتها، ستنجم عنها أضرار بالغة بالاقتصاد والعملة اللبنانية.
الأزمة بحسب الخبراء "مفتوحة على مزيد من التعاميم، التي ستحاول تنظيم ما يخلفه النقص الهائل بالدولار". وسواء طبقت أو لم تطبق، فان "الداء يبقى أعقد من ان يعالج بالطلاسم وهو يطلب استئصال الطبقة الفاسدة واعادة البناء من جديد".