Advertise here

حلو: الثروة النفطية يجب أن تدار وفق رؤية تشارك فيها جميع الأطراف

28 تشرين الثاني 2018 18:10:00 - آخر تحديث: 29 تشرين الثاني 2018 08:30:12

شارك عضو اللقاء الديمقراطي النائب هنري حلو في ورشة المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية. والقى الكلمة التالية:

 

أود أولاً أن أتوجه بالشكر إلى المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية لتنظيمه هذه الورشة، ولدعوته لي إلى المشاركة فيها كمتحدث. وأحيي جميع المشاركين والحاضرين وخصوصاً الطلاب الذين ينتمون إلى مختلف قطاعات الشباب في الاحزاب اللبنانية.

إن متابعة الشباب تحديداً لملف إدارة ثروتنا النفطية، هي أمر ضروري واساسي بالغ الأهمية، لأن هذه الثروة تتعلق بمستقبلهم. وما نزرعه اليوم سيحصدونه هم غداً، فإما أن تكون صناعتنا النفطية مبنيةً على أسس سليمة، فنستفيد من هذا المورد اقتصادياً وتنموياً ونبني بلداً  يوفر الحياة الكريمة والازدهار للأجيال المقبلة، أو نهدر فرصةً تاريخية، فنحرم أبناءنا من التمتع بإيجابياتها.

إن إدارة مداخيلنا النفطية يجب أن تبنى على رؤية بعيدة المدى، بحيث تشكل هذه الأموال شبكة أمان لأجيالنا المقبلة، من خلال إيداع جزء منها في الصندوق السيادي،على أن تحدد لاحقاً النسبة التي سيتم اقتطاعها.

إن هذا الصندوق يجب أن يكون نوعاً من “قجة”، تكون في تصرف أجيال المستقبل عندما ينضب مخزون النفط في بحرنا وربما في أرضنا، ذات يوم. ويجب ألا تدفعنا  مشاكلنا الضاغطة، إلى خطأ استخدام العائدات النفطية لمعالجات آنية فقط،  مثل سد الدين العام، بل ينبغي أن يتم استخدام جزء من هذه الأموال في تحسين البنى التحتية، ودعم القطاعات الاقتصادية التي تحفز النمو وتؤمن فرص العمل. ومن المهم جدأً أن يتم تحديد أولويات للحاجات في هذا المجال،

كذلك يجب أن تحدد بوضوح، نسبة العائدات التي ستوظف في استثمارات خارجية، ونوع هذه الاستثمارات، ومعايير تحديدها، والجهة التي ستتولى هذه المهمة.

صحيح أن أمامنا بضع سنوات قبل أن يصبح لبنان بلداً منتجاً للنفط والغاز، وقبل أن تبدأ العائدات بالتدفق،

لقد بدأ لبنان الإعداد لـ”العصر النفطي” منذ العام 2010، وتم إنجاز الكثير فيهذا الإطار، والمطلوب أن ندرس جيداً ونناقش بتعمق كل خطوة، لكي نصل إلى التخطيط الأفضل لإدارة هذا القطاع وللإستفادة القصوى منه.وهذا ما نأمله من الخطط الاقتصادية المستقبلية التي ننتظر الاطلاع عليها من الحكومة، وتحديداً خطة “ماكينزي”.

إن النشاط المتعلق بقطاع النفط والغاز، والذي سيشهده لبنان ابتداءً من السنة المقبلة، وفي السنين الآتية،

مع انطلاق التنقيب الإستكشافي، سيساهم في تنشيط الكثير من القطاعات، وفي خلق غيرها، وسيؤمن فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وهو بالتالي سيغير هيكلية الاقتصاد اللبناني.

ومن هنا، على أي خطط خمسية أو عشرية أو على مدىً أبعد، أن تأخذ في الاعتبار هذا العنصر الجديد. وهذه الخطط يجب أن توضع في ضوء مجموعة متكاملة ومترابطة من المعطيات، بينها توقعات الواردات والنفقات المستقبلية، والدين العام المتفاقم، والمشاريع الإصلاحية والإستثمارية التي لجظها برنامج مؤتمر “سيدر”.

كما إن العمل في هذا القطاع لا يقتصر على جهة واحدة أو اثنتين، بل يعني عدداً كبيراً من الوزارات، كالطاقة والصناعة والتجارة والعمل والنقل والبيئة والصحة وحتى التربية، وهذا ما يتطلب آليات واضحة للتنسيق والتخطيط المشترك.

إننا مقبلون على تحولات مهمة يجب أن نواكبها على كل المستويات.

إن مهناً جديدة ستولد في سوق العمل، ونحن بحاجة طبعاً إلى توجيه طلابنا نحوها، سواءً على مستوى التعليم الجامعي أو على مستوى التعليم المهني.من المهم جداً أن تصبح لدينا العناصر والكفاءات البشرية اللازمة التي يمكننا أن نتكل عليها للعمل في هذا القطاع،  والتي ستقوم عليها شركة البترول الوطنية اللبنانية التي سيتم إنشاؤها.

إن أحد المبادىء الرئيسية التي يجب أن نعتمدها، هو تحقيق التوازن بين جذب الشركات الأجنبية ذات الخبرة، وبين بناء صناعة بترولية محلية، من خلال إنشاء هذه الشركة الوطنية. ولا بد في هذا المجال من التذكير بأن قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فتح واسعاً باب إشراك القطاع الخاص اللبناني في المشاريع ذات الصلة بقطاع النفط.

وفي هذا السياق، إذا كان من السابق لأوانه اليوم تأسيس هذه الشركة، بحسب رأي البعض الذي يفضل انتظار بدء الإنتاج النفطي، فهذا لا يمنع إنشاء نواة شركة منذ الآن، تبدأ باكتساب الخبرات، على أن يتم لاحفاً، وفي الوقت المناسب، استكمال هذه الشركة، من حيث الهيكلية والموظفين والتجهيزات وكل المستلزمات.

أما المبدأ الآخر الذي يجب أن نتمسّكَ به، ونقوم بكلّ ما يلزَم لتحقيقه، فهو تأمين الشفافية الكاملة في كل مراحل العملية النفطية.وفي هذا المجال، لا بدَّ من التذكير بأنّ مجلس النواب أقرّ قانون الشفافية في القطاع النفطي،وبأن الحكومةَ اللبنانية، خَطَت في كانون الثاني 2017 خطوةً مهمَّةً، بإعلانِ رغبتِها في الانضمام الى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI).  إنّ هذا القانون كما الإنضمامَ إلى هذه المبادرة، يفتحان المجال عملياً أمام مشاركةٍ فاعِلَةٍ مٍنَ المجتمع المدنّي في مواكَبَةِ هذا القِطاع في كل المراحِل، مما يُساهِم في تأمين الثقة بالقطاع، وتطمينِ المجتمع الدوليّ والشركات النفطية العالمية، مِن جهة، والمواطِن اللبنانيّ، مِن جهة أخرى.ولكن، على أهميّة هذه الخطوة، فهي لا تكفي وحدَها لضمان شفافية القطاع، ولِمَنع تَسَلُل الفسادِ إليه. فالشفافية تضمنها منظومة متكاملة، يشكل المجتمع المدني أحد أركانها، لكن الأساس فيها هو وجود جهات رقابية تقوم بدورها بفاعلية، وفق قوانين واضحة ومدروسة.  وفي هذا المجال، هناك دور أساسي للهيئة الناظمة المستقلة، في الإشراف على عملية فض وتقييم عروض الشركات، ومراقبة آلية منح التراخيص. كذلك يجب أن يكون لمجلس النواب دور أساسي، في كل الخطوات المتعلقة بالثروة البترولية، كالمراسيم التطبيقية، والاتفاقيات مع الشركات، واقرار ومراجعة العقود والرقابة عليها، والرقابة على الصندوق السيادي،على غرار ما هي الحال في النروج مثلاً. كما إن لمصرف لبنان وحاكمه دوراً أساسياً في ما يتعلق بالصندوق السيادي.

إن المعركة ضد الفساد في هذا القطاع الحساس والحيوي، تتطلب وجود أكثر من “خط دفاع”، إذا صح التعبير. ومن الأساسي أيضاً أن تكون شروط الاستثمار شفافةً وثابتة، وأن  تكون أدوار مختلف الجهات في الدولة واضحةً.

ومن الخطوات المطلوبة كذلك، نشر كافة المعلومات عن الشركات المتقدمة للحصول على التراخيص، في ما يتعلق بعروضها وخططها، ونشر التفاصيل المتعلقة بعمليات الإستكشاف والإنتاج. وتقوم هيئة إدارة قطاع البترول، بالفعل، بالدور المطلوب في هذا المجال، في حين أن نشر أسماء أعضاء المساهمين في الشركات العاملة في القطاع سيكون إلزامياً بموجب القانون.

هناك أمور كثيرة يجب أن ينتبه إليها لبنان في تعاطيه مع موضوع النفط والغاز،ومنها ضرورة التشدد في الحفاظ على البيئة، وفي تطبيق قواعد السلامة والأمان، على كل مستويات الإنتاج والتخزين والنقل، لتفادي أي حوادث قد تحصل. كما إن هذه الصناعة التي تتداخل فيها قطاعات عدة، تستلزم وضع استراتيجية وطنية متكاملة للنفط، تحدد السياسة الرسمية في هذا المجال.

إن هذه الثروة الوطنية التي يمكن أن تغير وجه الاقتصاد اللبناني،يجب أن تدار وفق رؤية شاملة وواضحة، لا بسياسات ظرفية غير منسقة.  وهذه الرؤية الوطنية ينبغي أن يتم وضعها بنتيجة نقاش وطني عام، تشارك فيها جميع الأطراف المعنية.

إن المر حلة المقبلة هي مرحلة استكمال إقرار القوانين المتعلقة بقطاع البترول، ومنها مشروع قانون إنشاء شركة نفط وطنية، واقتراح القانون المتعلق باستخراج النفط والغاز في الأراضي اللبنانية، اي قانون التنقيب عن النفط والغاز في البر، ومشروع قانون إنشاء الصندوق السيادي. ولا شيء يمنع، لا بل من الضروري، أن نعيد تقييم قانون الموارد النفطية في المياه البحرية، ونبادر إلى تعديل ما قد يحتاج إلى تعديل فيه، في ضوء ما تبين لنا بالتجربة حتى اليوم.وربما يكون مفيداً درس إمكان جعل القانون واحداً للبحر والبر.كذلك من الممكن أن يتم تقييم المراسيم التطبيقية التي صدرت حتى الآن، وربما إعادة النظر في بعضها. كذلك لا بد من درس إتفاقات التعاون النفطي والإنتاجي، التي يمكن أن يعقدها لبنان مع الدول الأخرى في المنطقة، كقبرص وتركيا ومصر وسواها، في إطار سياسة “وفورات الإنتاج الكبير”  (économies d’échelle).

إن دخول لبنان إلى نادي الدول المنتجة للنفط، تجربة جديدة على لبنان، وعلينا جميعاً، ويجب أن نكون منفتحين على أن نتعلم من تجاربنا، ومن خبرات الدول الأخرى التي سبقتنا ونجحت في التحدي،وأن نصحح حيث يجب التصحيح، لأننا نريد أن نترك لأبنائنا الإطار التشريعي والتنظيمي الأفضل، لتحقيق الإستفادة القصوى من هذه الثروة.