Advertise here

إقرار حقوق الفلسطيني لا يؤثر على واقعنا الاقتصادي والاجتماعي

27 آب 2020 19:04:00 - آخر تحديث: 06 أيلول 2020 22:37:56

كأنّ الإخوة الفلسطينيين الموجودين في مخيمات القهر في لبنان لا تكفيهم الإستهدافات الأميركيّة - الإسرائيليّة لـ "الأونروا" إنطلاقاً من محاولات إلغائها، مروراً بالضغط لتخفيض ميزانياتها، وبالتالي حرمانهم من مقوّمات الحد الأدنى من العيش الكريم، لتكريس حرمانهم من حق العودة إلى ديارهم، حتى تخرج جوقة من اللبنانيين الذين لم يتعلّموا، بل لا يريدون أن يتعلّموا من التجارب والحروب التي عشناها والخيارات التي اعتمدوها، فتنظّم حملة ضد الفلسطينيين وتحاول تحميلهم مسؤولية الإنهيار الذي يواجهه لبنان!!
 
إذا تحدثنا عن الكهرباء والنزف الذي تعانيه ماليّة الدولة، خرج أركان الجوقة إلى الحديث عن المخيمات التي لا تدفع ثمن الكهرباء!!! بينما كل العالم يحمّل الحكومات المتعاقبة والمسؤولين الحاليين خصوصاً مسؤولية فضيحة الظلام الذي يغطي المناطق اللبنانية، والظلم الذي لحق باللبنانيين بسبب إهدار خمسين مليار دولار من خزينة الدولة على الكهرباء، ولا بصيص نور في البلاد.
 
اليوم، كثيرون يريدون مساعدة لبنان، يصرخون في وجه اللبنانيين: "ساعدونا لنساعدكم. أصلحوا أموركم. خذوا القرارات الإصلاحيّة المطلوبة وعلى رأسها موضوع الكهرباء". والممسكون بزمام الأمور يصرّون على "معاملهم" واستملاكاتها، وكلفتها، ويؤخّرون إتخاذ القرارات والإستفادة من الفرص المتاحة أمامنا، ويلغون إتفاقات معقودة مع دول شقيقة لترميم معامل، والحق في النهاية في نظر البعض منهم على الفلسطينيين!!  هل ثمة عاقل يمكن أن يقبل هذه الإدعاءات والإتهامات والإستهدافات؟؟ 
 
إذا تحدثنا عن الأزمة الماليّة الاقتصاديّة الاجتماعيّة التي يعانيها لبنان واللبنانيون، وإذا ذهبنا إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وناشدنا دولاً وبنوكاً دوليّة لمساعدتنا، ولم يكن تجاوب، لأننا لم نقم بما هو مطلوب منا إصلاحياً، ولأننا لم نقدّم أنموذج الدولة الصالحة والمسؤولين العقلاء الحكماء في إدارة شؤوننا، ولم نتمكن من توحيد أرقام الخسائر الماليّة، وتحديد وجهة سيرنا نحو صندوق النقد  الدولي، وكشفنا كل "غسيلنا الوسخ" على حبال ألاعيبنا السياسيّة أمام العالم فعرّضنا أنفسنا للإهانة، وحُرمنا حتى الآن من المساعدة، ومع ذلك لا نقرّ بأخطائنا ومسؤوليّاتنا. لكن إذا جاء مبلغ صغير من المال للأخوة الفلسطينيين، قامت قيامة أركان الجوقة المذكورة وشنّت الحملات تحت عنوان: "يُحرم اللبنانيون ويُكرّم الفلسطينيون"!!! إنها العنصرية بحدّ ذاتها، بلغة مدّعي العمل من أجل الدولة العصرية في لبنان!!

لا حياد تجاه القضية الفلسطينيّة والعداء لإسرائيل
 
ومع معزوفة "الحياد" الرائجة اليوم، والتأكيد أن لا حياد في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينيّة والعداء لإسرائيل، يخرج أركان الجوقة والكورال المواكب في الخطاب ذاته ضد الفلسطينيين، يذهبون إلى ما يسمّى المجتمع الدولي والدول الكبرى وعلى رأسها أميركا، ولا يحيّدون إسرائيل لكنهم يحمّلون الفلسطينيين المسؤوليّة!! غريب. هل سألوا أنفسهم من الذي لا يريد عودة الفلسطينيين؟؟ من الذي يدعم إسرائيل بكل قراراتها وسياساتها الارهابيّة ضد الشعب الفلسطيني والتي تستهدف تهجير ما تبقى منه في الداخل؟؟ أليست السياسة الأميركيّة التي يستقوي بها البعض في لبنان، ويحاول بعض آخر تجنّب غضبها و"عقوباتها" فيصبّ غضبه على الفلسطينيين؟؟
 
هؤلاء يمارسون سياسة الهروب الى الأمام. الهروب من المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع في لبنان. والهروب من تطبيق قرارات خجولة سبق وأقرّتها حكومات سابقة بعد زيارة رسميّة يتيمة قام بها عدد من الوزراء إلى المخيّمات للاطلاع على أوضاعها بناءً على اقتراحنا في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى. وسياسة الهروب من الوقائع والحقائق وهم يرفضون الإعتراف بالعدد النهائي للأخوة الفلسطينيين الذي أجرته مؤسستان رسميّتان، لبنانية وفلسطينية، قامتا بعملهما بإشراف لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني المشكورة على دورها الوطني المسؤول الذي تقوم به، والتي شكّلت إطاراً وملتقى للبنانيين والفلسطينيين للحوار والنقاش حول الهواجس المشتركة ومحاولات إيجاد حلول لها. ونحن لا نزال من المطالبين بإقرار الحقوق المدنيّة والإنسانيّة للشعب الفلسطيني، وهي لا تؤثر على واقعنا المالي والإقتصادي والإجتماعي بشيء، لكن الرفض الدائم لهذا الأمر هدفه تغطية "معزوفة" التوطين. وهنا، ينبغي التأكيد أن ثمّة وحدة وطنيّة لبنانيّة حقيقيّة حول رفض التوطين. نعم. الذين يؤيدون الشعب الفلسطيني وانحازوا إلى قضيته، مؤمنون بحقه في عودته الى أرضه، والذين اعتبروا في مرحلة معيّنة أن الفلسطيني هو عدوّهم، ويرفضون إقرار حقوقه اليوم، يريدون عودته إلى دياره. وبالتالي كل اللبنانيين يرفضون التوطين. ثمّة إجماع وتأكيد في أوساط الأخوة الفلسطينيين، وكل الفصائل الفلسطينيّة على التمسّك بحق العودة. وفي الوقت ذاته، الإصرار على التعاون والتنسيق مع الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها واحترام قراراتها وسيادتها على أرضها. وقد ظهر هذا التعاون في أكثر من مرحلة شهدت محاولات إفتعال فتن، أو استخدام الوضع في المخيّمات لغايات تخرج عن إطار المصلحة الفلسطينية - اللبنانية، فكان إجماع من القادة الفلسطينيين في الأرض المحتلة وهنا في المخيّمات، على التعاون مع الدولة ومؤسساتها وخصوصاً الجيش اللبناني.
 
إنّ الطريق الوحيد لضمان مصلحة لبنان في مقاربة مسألة الوجود الفلسطيني على أرضه، هي طريق العقل والمنطق والحوار وتفعيله من خلال لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني والقنوات المباشرة بين القوى السياسيّة اللبنانيّة والفصائل الفلسطينيّة. أما الإصرار على سلوك خطاب الحقد والتحريض والعنصرية والمكابرة والتكبّر والإستقواء، فهذا سيؤدي الى مزيد من التفكك في لبنان والضعف والفوضى وسيؤذي اللبنانيين والفلسطينيين معاً!!
 
هل ثمّة أمل في الإحتكام إلى العقل؟؟ للأسف ما يجري في البلاد لا يبشِّر بخير. لم يعد ثمّة عقلاء وحكماء إلاّ قلّة قليلة جداً. لقد أصبحنا نعيش في لبنان تتحكّم فيه الغرائز والعصبيّات والهواجس والإنفعالات والأورام والأوهام. بلد أحقاد وولاّدة مشاكل. عندما نرى تعاطي اللبنانيين مع بعضهم البعض، وانحدار مستوى القيادة السياسيّة، ومستوى الخطاب السياسي، وسيادة لغة الحقد والشتيمة والتخوين والإتهام والضغينة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحوّلت إلى "مواقع لا تواصل" بين الناس، هل نتوقّع من بعضهم خطاباً مختلفاً مع الفلسطينيين؟؟
 
مع ذلك، التحدي كبير. وأمانة فلسطين وشعبها، وأمانة موقف لبنان ووحدته تستحقان كل معاناة وتعب وجهد وعدم استسلام للواقع القائم!!
 
لأنه مهما طرأ من مستجدات وعوامل مؤثرة في معادلات المنطقة، فإنها لا تتجاوز العامل الأساس والسبب الرئيس في أزماتنا، وهو وجود كيان الإرهاب في اسرائيل، وقصور غالبية العرب وضعف إرادتهم وسوء إدارتهم للصراع معه، والهدف الأساس هو فلسطين. كل فلسطين تريدها اسرائيل ولا يتوهمنّ أحد أن المسألة ستنتهي عند هذا الحد،  لقد توسّع بنك الأهداف الاسرائيلي ليشمل المنطقة كلها، وقد بدأ العدو يحقق الكثير من مخططاته والمراهنون على أميركا والذاهبون إليها لن يحصدوا شيئاً.