Advertise here

واقعة تداول السلطة بين العهود الرئاسية اللبنانية منذ الاستقلال

25 آب 2020 20:04:06

قيل سابقاً إن كافة العهود الرئاسية اللبنانية إنما تنقسم إلى مرحلتين: الأولى تتميز بانطلاقةٍ متميزة لكل عهد، وتستمر ثلاث سنوات؛ والثانية تتميز باضطرابات تطبع السنوات الثلاث الأخرى من نفس العهد الرئاسي. فقد تمّ التجديد للرئيس بشارة الخوري لولايةٍ رئاسية جديدة، وذلك في 27 أيار من العام 1948، وقد استمرت ولايته الثانية لأربع سنوات. تميّزت ولايته الممدّدة تلك بوجود شقيقه، النائب سليم الخوري، وبتصرفاته ونفوذه الواسعَين من تعيين موظفين وعزلهم، كما إصدار المراسيم، حتى أصبح يُطلق على ولاية الرئيس الخوري الثانية "عهد السلطان سليم".

قامت تظاهرات في بيروت عام 1951، نتيجة ارتفاع أسعار الخبز، وردّد المتظاهرون شعارات، "بدنا نأكل جوعانين"، فتشكّلت معارضة واسعة لسياسة بشارة الخوري ضمّت كمال جنبلاط، وأنور الخطيب، وبيار إده، وكميل شمعون، وغسان تويني. وركّزت المعارضة على العمل لإطاحة بشارة الخوري، وانضمّ إليها لاحقاً عادل عسيران، وريمون إده، وحميد فرنجيّة.

عمّ الإضراب بيروت وسائر المناطق اللبنانية، وذلك يومي 15 و 16 أيلول من العام 1952، وكان لصحافة بيروت دوراً بارزاً وفاعلاً في مساندة المعارضة، كما تقدّم عددّ من النواب بطلب استقالة بشارة الخوري. وقام وفدٌ من قادة المعارضة بزيارة قائد الجيش، اللواء فؤاد شهاب، لإبلاغه بقرار المعارضة في استمرار الإضراب السلمي حتى استقالة بشارة الخوري.

قدّم الرئيس صائب سلام استقالة حكومته، وذلك في 17 أيلول من العام 1952، ولم يقبل أي شخص آخر بتشكيل حكومة جديدة. وعلى الأثر قدّم بشارة الخوري استقالته، وتشكلّت حكومة ثلاثية برئاسة قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب.

 مع استقالة بشارة الخوري انتهى عهد أحد رجال الاستقلال، والذي رغم كونه من أبطال الاستقلال، إلاّ أن سوء إدارته أوصلته إلى الاستقالة تحت ضغط المطالب الشعبية وضغط المعارضة، ليتمّ بعدها انتخاب كميل شمعون رئيساً للجمهورية بتاريخ 23 أيلول من العام 1952.

كانت فترة ولاية الرئيس كميل شمعون، حافلةً بالأحداث الدولية والإقليمية، فقد صدر مبدأ أيزنهاور، وكان الغرض منه على المستوى الإقليمي أن يساعد على إمداد الأنظمة العربية ببديلٍ عن الوقوع تحت السيطرة السياسية للرئيس المصري جمال عبد الناصر، وتقويتها في نفس الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على عزل النفوذ الشيوعي من خلال عزل ناصر. 

كما عملت الولايات المتحدة الأميركية على تأسيس حلفٍ ليكون رديفاً لحلف الأطلسي، وليقفَ في وجه المدّ الاشتراكي المنافس لها في توسيع رقعة النفوذ، خاصةً وأن هذه الدول غنيةٌ بمواردها الطبيعية. 

قامت الولايات المتحدة الأميركية بتأسيس هذا الحلف بالاشتراك مع المملكة المتحدة، وضمّ بدايةً تركيا، وإيران، وأفغانستان، وباكستان، والعراق، مع سعيٍ جدّي لضم لبنان وسوريا إلى هذا الحلف. وقد أثارت مسألة انضمام لبنان إلى الحلف خلافاً سياسياً حاداً بين مؤيّدٍ ومعارض.

وحدث في بيروت خلال العام 1955، عددٌ من التظاهرات الطلابية ضد سياسة الأحلاف الاستعمارية، فقد اعتبر المتظاهرون أن الهدف الأساس لتلك الأحلاف هو السيطرة على البترول العربي، رغم أن ظاهر تلك الأحلاف هو الوقوف في مواجهة الاتحاد السوفياتي. وشهد العام 1955 أيضاً وضع ميثاق الحلف التركي– العراقي، وقام لبنان بتوجيه دعوةٍ لرئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، ووزير خارجيّته فؤاد موبرولو، لزيارة بيروت أثناء عودتهما من بغداد. وقد استمرت الزيارة خمسة أيام شرحا فيها نتائج مباحثاتهما، والميثاق الذي وُقّع مع رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد في بغداد.

كان الموقف الرسمي مؤيّداً لحلف بغداد، وتجلّى ذلك بزيارة رئيس الجمهورية كميل شمعون، ورئيس الحكومة سامي الصلح إلى تركيا، وتوقيعهما على بلاغٍ مشترك. وعلى إثر هذه الزيارة، انطلقت التظاهرات الشعبية في بيروت وسائر المناطق اللبنانية، وذلك في 3 نيسان من العام 1955، تنديداً بسياسة الأحلاف ومطالبةً بالوقوف إلى جانب الحلف الدفاعي بين مصر وسوريا والسعودية، ودعماً للموقف الوطني العربي .

تتابعت الأحداث لتعصف بلبنان والمنطقة، وصولاً إلى العام 1958، الذي شهد سقوط الحكم الملكي في العراق، وبالتالي سقوط حلف بغداد، كما وقوع الثورة في لبنان التي مهّدت لوصول الرئيس فؤاد شهاب إلى سدّة الحكم.

تميّز حكم الرئيس فؤاد شهاب عن باقي أقرانه، بأنه الوحيد الذي رفض التمديد لولايةٍ جديدة، لكن يُعاب على عهده، وتحديداً في فترته الثانية، توسّع نشاط المكتب الثاني الذي طبع العهد بطابع خاص، رغم العديد من الإنجازات التي تُحسب له، ممّا شكّل جبهة معارضةٍ قوية في مواجهته عُرفت بمواجهة الحلف والنهج.

استمر النهجُ الشهابي مع بداية عهد الرئيس شارل حلو، واعتُبر امتداداً لسياسة الرئيس شهاب، كما حفل عهده بأحداثٍ غاية في الأهمية، وأهمها نكسة العام 1967، وانعكاسها على الساحة اللبنانية، وتبعها اتّفاق القاهرة الذي شرّع العمل الفدائي الفلسطيني عبر الأراضي اللبنانية، واعتُبر من مسبّبات الحرب الأهلية اللبنانية. واختُتم عهد الرئيس حلو بانتصار الحلف الثلاثي في الانتخابات النيابية مما أشّر لنهاية عهد الشهابية .

في العام 1970، انتُخب الرئيس سليمان فرنجية بفارق صوتٍ واحد، واعتُبرت تلك الانتخابات من أهم الانتخابات الرئاسية التي تمّت في لبنان على مدار تاريخه. لكن عهد فرنجية تخلّله اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، ومعارضة الحركة الوطنية لحكمه ومطالبتها باستقالته، وتعدّدت الصراعات حتى وصل الأمر خلال الحرب الأهلية إلى قصف القصر الرئاسي .
انتُخب الرئيس إلياس سركيس في العام 1976، في أصعب مراحل الحرب اللبنانية، واختُتم عهده بحصول الاجتياح الإسرائيلي للبنان وسقوط أول عاصمةٍ عربية بيد الإسرائيليين، وكان سبق هذا الاجتياح دخول القوات السورية إلى لبنان، وحصول عملية اغتيال الشهيد كمال جنبلاط.

شهد العام 1982 حصول عمليّتي انتخابات رئاسية: الأولى للرئيس بشير الجميل الذي اغتيل قبل تسلّمه مهامه الرسمية، وتبعها انتخاب الرئيس أمين الجميل، الذي شهد في بداية عهده انعقاد مؤتمرات الحوار الوطني، واختُتم كسائر العهود الرئاسية بأحداثٍ تركت أثراً حتى تاريخه، حيث قام بتسليم حكومة عسكرية مقاليد السلطة بعد تركه للقصر الجمهوري، وما تبع ذلك من نشوء حكومتين لأول مرة في تاريخ لبنان .

بعد انتهاء الحرب الأهلية بتوقيع اتّفاق الطائف، تمّ انتخاب الرئيس رينيه معوّض الذي اغتيل في عيد الاستقلال، وتمّ بعده انتخاب الرئيس إلياس الهرواي، الذي تميّز عهده بالانتهاء الفعلي للحرب الأهلية وحلّ الميليشيات، وإطلاق عملية إعادة إعمار بيروت، ليتمّ التمديد له لولايةٍ جديدة لمدة ثلاث سنوات.

بعد انتهاء الولاية الممدّدة للرئيس الهراوي، تمّ انتخاب إميل لحود في العام 1998، مع وجود معارضةٍ واسعةٍ لهذا الانتخاب منذ بدايته. وكما حدث مع الرئيس الهراوي، فقد تمّ التمديد لإميل لحود لثلاث سنوات، بالتزامن مع صدور القرار 1559، وسط معارضة شرسةٍ من الرئيس رفيق الحريري ووليد جنبلاط، واختُتم عهده بحصول جريمة العصر التي أدّت إلى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وقيام ثورة الأرز، وتوّج بخروج القوات السورية من لبنان.

بعد انتهاء الولاية الممدّدة لإميل لحود استمر الفراغ الرئاسي لمدة تزيد عن السنة، ليتمّ انتخاب قائد الجيش، ميشال سليمان، بعد أحداث السابع من أيار في العام 2008. وبعد انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان الذي تخلّله اندلاع ثورات الربيع العربي، وقيام إعلان بعبدا المتعلّق بالنأي بالنفس، استتبعه حصول فراغ رئاسي لمدة سنتين.

في العام 2016، وبعد سنتين من الفراغ الرئاسي تمّ انتخاب الرئيس ميشال عون، بعد التسوية الرئاسية واتّفاق معراب، وأُطلق على عهده اسم العهد القوي، وتمّ تعليق الآمال الكبرى عليه، لتتبدّد آمال اللبنانيين مع حصول أكبر عملية انهيارٍ اقتصادي في تاريخ لبنان، وتبعه رابع أكبر انفجارٍ في تاريخ البشرية .

من حق اللبنانيين أن يحلموا بالأمن والأمان، وهم الذين تعرضوا خلال سنة واحدة لأزماتٍ لو تعرّضت لها شعوبٌ أخرى لانهارت دولها. ومن حقّهم أن ينعموا بالعيش بكرامة وهدوء بعيداً عن صراعات الدول الكبرى.


*محامٍ ومحلّل سياسي