كتبت رجاء لبكي في جريدة "النهار":
يرى بعض المحللين السياسيين أنّ فيروس كوفيد 19 قضى على حظوظ دونالد #ترامب الرئاسية كما قضى على عدد كبير من الأرواح في كل أنحاء العالم. فبعد أن كان في شهر شباط 2020، المتصدّر في أكثرية استطلاعات الرأي في السباق الرئاسي، يتقدم عليه اليوم خصمه المرشح الديموقراطي جو بايدن.
نفّذ الرئيس ترامب جزءاً كبيراً من وعود حملته الرئاسية سنة 2016، وبخاصة في ما يتعلّق بالشأن الاقتصادي. فقبل انتشار كوفيد 19 في الولايات المتحدة الأميركية في شهر آذار 2020، كان قد انخفض، بفضل سياساته، عدد العاطلين عن العمل بشكل لافت وانطلق الاقتصاد بزخم أكبر. هذا ما جعله المرشح الأبرز لخلافة نفسه في الانتخابات القادمة لسنة 2020، وبخاصة بعد انتصارات سياسية أبرزها فَشَل محاولة عزله.
حدثت المفاجأة وانقلبت المعادلة مع انتشار سريع لفيروس كوفيد 19 في الولايات المتحدة، فتراجعت حظوظ ترامب. انتشر الفيروس بشكل سريع في الولايات المتحدة حتى تصدّرت في شهر أيار عدد الإصابات والوفيات في العالم، وقد حمّل جزء كبير من الرأي العام والإعلام الأميركي، استخفاف الإدارة وتقصيرها مسؤولية هذه النتيجة.
إثر ذلك، رجّحت كافة استطلاعات الرأي منذ شهر نيسان 2020، فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن على نظيره الجمهوري الرئيس دونالد ترامب. فهل حُسم الأمر؟
لا يمكن القول إنّ النتيجة قد حُسمت قبل شهرين ونصف من الانتخابات. قد تطرأ حادثة وتغيّر المعادلة. كما وأنّه لا يمكننا الوثوق باستطلاعات الرأي خاصةً بعد انتخابات 2016 التي أخطأت بمعظمها عندما رجّحت فوز المرشحة عن الحزب الديقراطي هيلاري كلينتون على المرشح ترامب. فما هي الأحداث أو السياسات التي قد تُرجّج حظوظ أحد المرشّحين؟
في الاحداث العامة:
- قد يُعزّز حظوظ الرئيس ترامب كل حدث أمني أو فوضى أو تعدٍ على السلطة. رغم اعتبار البعض أنّ الأحداث الأمنية والمظاهرات التي تبعت مقتل جورج فلويد تصبّ في مصلحة المرشح الديمقراطي، إلاّ أنّ التخريب في الممتلكات العامة والخاصة الذي نتج عنها قد يُفيد ترامب. فالمتظاهرون أساساً بأغلبيتهم الساحقة، مؤيدون للمرشح الديمقراطي، أمّا المحايدون من المتضررين فقد يميلون إلى ترامب.
- بالمطلق، أي تعدٍ خارجي على الولايات المتحدة أو حرب تحصل قبل الانتخابات، قد ترفع بشكل عام حظوظ المرشح الجمهوري الرئيس ترامب.
- في المقابل، كل تراجع في الاقتصاد والمؤشرت المالية وتفاقم تفشي كوفيد 19 سيساهم في تقدّم حظوظ المرشح الديمقراطي جو بايدن بقطع النظر عن جهود ترامب لإعادة إحياء الاقتصاد. كما وأنّ أيّة كارثة بيئية جديدة قد تحصل ترفع من حظوظ بايدن نظراً لإهمال ترامب لهذا الملف.
في السياسة الانتخابية:
سبق أن نجح فريق ترامب الانتخابي في هزم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية سنة 2016 من خلال تأمين الفوز ببعض الولايات المتأرجحة Swing states كأوهايو وكارولينا الشمالية وفلوريدا، وكسب ولايات كان يعتبرها الديموقراطيون مضمونة لهم وأهملوا حملاتهم فيها مثل بنسيلفانيا وويسكونسن وميشيغن.
والمُلفت أنّه في الانتخابات المقبلة، زاد عدد الولايات المتأرجحة. بالإضافة إلى الولايات المتأرجحة السابقة كأوهايو وفلوريدا وكارولينا الشمالية وبنسيلفانيا وويسكونسن وميشيغن، تحوّلت بعض الولايات التي كانت تعتبر معقل الجمهوريين إلى متأرجحة مثل جورجيا Georgia وتكساس وأريزونا وأيوا. فكيف سيواجه فريق ترامب الانتخابي هذا التراجع ويؤمن هذه الولايات لصالحه؟
أولاً: يُركّز الرئيس ترامب وفريقه على شدّ العصب الداخلي الوطني، وذلك من خلال نقل المواجهة إلى العنصر الخارجي في تحميل الصين مسؤولية انتشار كوفيد 19 وسمّوه بـ"الفيروس الصيني". فيتهمون الصين بنشره عبر عملائهم وقنصلياتهم وسفاراتهم، وبإخفاء معلومات تتعلّق بالوباء. بالإضافة إلى ذلك، لا يوفرون فرصة لإضعاف الصين اقتصادياً نظراً لتهديدها للولايات المتحدة في هذا المجال. فمنعت إدارة ترامب سابقاً هواتف الهواوي الصينية كما أوقفت مؤخراً بعض البرامج الصينية كـ" Tik Tok"... يحاول فريق ترامب بذلك تصوير الصين كمسؤولة عن الكوارث الصحية والاقتصادية في الولايات المتحدة، واعتبار الرئيس ترامب هو الحامي والجامع. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد فريق ترامب على مهاجمة بعض الدول الأخرى كإيران وروسيا وتركيا وبلدان أوروبية وفقاً لمصلحته.
ثانياً: من المتوقع أن يلجأ الرئيس ترامب كما جرى في حملته الانتخابية سنة 2016، إلى خطاب التشدّد في موضوعي الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة وبعض المتطرفين الاسلاميين، مما يُكسبه بعض المتضررين من هؤلاء المجموعات. بالمقابل، يركّز الفريق المعادي على اتهامه بالعنصرية ضدّ الفئات المذكورة.
ثالثاً: وسط صعوبة الأجواء الانتخابية للرئيس ترامب، يحاول فريقه جذب بعض ما يعرف بـ"الأقلّيات" الذين يميلون بمعظمهم للديموقراطيين، من خلال السياسات الآتية:
أ- الاستحصال على تأييد اللوبي اليهودي النافذ من خلال دعمه السياسات الإسرائيلية في قراراته وخطاباته ومن خلال علاقات صهره ومستشاره جاريد كوشنير اليهودي بهذه المجوعة. يتجلّى هذا الدعم في الضغوطات التي مارستها إدارة ترامب على بعض الدول العربية، ونتج عنها إعلان تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة ودولة إسرائيل في 13 آب 2020.
ب- التاثير على بعض الناخبين الأميركيين من أصول أفريقية من خلال الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي الذي لمسوه في عهده مقارنةً بالعهود السابقة وخاصةً عهد أوباما، حيث إنّ نسبة البطالة ضمن هذه المجوعات هي الأدنى في تاريخ الولايات المتحدة.
ج- محاولة جذب وإرضاء الناخبين الكاثوليك كما في 2016 من خلال تبني أفكار محافظة كمعارضة الإجهاض وزواج المثليين. هذا ليس بالأمر السهل لأن الكاثوليك قد يتعاطفون هذه المرة مع الخصم جو بايدن كونه كاثوليكياً.
رابعاً: حاول فريق ترامب السياسي تأجيل موعد الانتخابات لكسب بعض الوقت لعل الظروف تتغير ويظهر علاج للكوفيد 19 ويتحسن الوضع الصحي والاقتصادي. هذه المحاولة ولدت فاشلة إذ تحتاج إلى موافقة مجلس النواب الأميركي ذي الأكثرية الديموقراطية.
خامساً: لعامل التحفيز على الإنتخاب دور مهم. فالإحصاءات تشير إلى أنّ ارتفاع نسبة الاقتراع تصبّ في صالح المرشح بايدن. من هنا، يتّبع فريق الرئيس ترامب سياسة تحفيزية لمناصريه دون الآخرين. وقد تلعب نتائج استطلاعات الرأي دوراً هاماً في التحفيز، إذ إنّ الناخب قد يتخاذل عن الانتخاب إذا ظنّ أنّ مرشحه سيفوز بفرق كبير، كما حدث مع المرشحة هيلاري كلينتون في انتخابات 2016. من هنا، يحاول الديموقراطيون تمرير قانون "التصويت عبر البريد" لتسهيل عملية الانتخابات للاشخاص المترددين أو المتقاعسين أو المتكاسلين وتحفيزهم. لا يُناسب هذا الأمر الرئيس ترامب إلاّ في بعض الولايات كفلوريدا حيث يحظى بأكثرية أصوات المتقاعدين الذين يُشكلون نسبة عالية من سكان الولاية والذين قد يُعانون من صعوبات في التنقل أو خوف من فيروس كوفيد 19 في ظل انتشاره الواسع والسريع في هذه الولاية.
سادساً: يُحاول الرئيس ترامب تمرير بعض القرارات الجديدة ذات الطابع الشعبي كما فعل في زيادة الضرائب على بضائع مستوردة (كالألومينيوم من كندا في آب 2020) وإعطاء تعويض للمتضررين جرّاء كوفيد 19 من مؤسسات تجارية وصناعية وزراعية وعاطلين عن العمل.
سابعاً: مهما يكن من أمر، فالمناظرات التي ستجري بين المرشحين ستؤثر في المقترعين، مع الإشارة إلى أنّ ترامب صاحب شخصية قوية وأسلوب هجومي قد يظهر بايدن بموقف الضعيف خاصةً بعد اقترافه بعض الهفوات في تذكر الأسماء أو تسميتها. لذلك يدعوه بعض المستشارين إلى تجنب المناظرة مع الرئيس ترامب.
ثامناً: يترشح أيضاً للانتخابات الرئاسية أحد المشاهير من أصول أفريقية وهو كانيي ويست. يهدف هذا الرجل من ترشحه إلى مساندة ترامب من خلال حصد بعض أصوات الأميركيين ذي الاصول الأفريقية الذين يصوتون بأكثرهم للديموقراطيين، من أمام المرشح بايدن، ما يسهّل مهمة ترامب بخاصة في الولايات المتأرجحة. وقد يشكل هذا الترشيح ضغطاً إضافياً على بايدن كي لا يتجنب المناظرة. فإذا حضر ترامب ووست المناظرة وتجنّبها بايدن، يظهر هذا الأخير بوضع الخائف والهارب والضعيف، ما سيطرح التساؤلات حول شخصيته وكفاءته لتبوؤ الرئاسة وبالتالي سيسخر قسماً من الرأي العام الناخب.
تاسعاً: بالمقابل، يسعى المرشح الديموقراطي جو بايدن للمحافظة على تقدّمه وعدم المجازفة، من خلال تبنيّه خطاب الاتزان والاعتدال لكسب أكبر عدد من المؤيدين من جميع فئات المجتمع الأميركي. فيحاول باستمرار التركيز على نقاط ضعف الرئيس ترامب واتهامه بتقلّب شخصيته وبالعنصرية وبالعجرفة وبقلّة الدبلوماسية في العلاقات الدولية وبعدم الاحترام للآخر وبسوء إدارته في مواجهة فيروس كوفيد 19... وقرار بايدن باختيار نائباً له السيناتور عن ولاية كاليفورنيا السيدة كامالا هاريس من أصول أفريقية، قد يأتي لصالحه إذ أنّه يعتمد عليها لتأييد العنصر النسائي والناخبين من أصول أفريقية بالإضافة إلى الراديكاليين اليساريين.
عاشراً: لا يُستبعد حصول بعض مفاجئات كفضائح مالية أو جنسية أوغيرها في الأيام الأخيرة التي تسبق الإنتخابات وتكون بمثابة سلاح قاتل أو حاسم في توقيتها عند كلا الطرفين.
بين محافظة بايدن على تقدّمه ومحاولته عدم الوقوع في الأخطاء، وبين هجومات ترامب ومحاولاته للعب عدة أوراق انتخابية من سياسات وخطابات وتكثيف الحملات والمهرجانات الانتخابية التي كانت تُشكّل نقاط قوة لديه قبل كوفيد 19، لا يمكننا الجزم بأنّ المعركة محسومة سلفاً، بخاصة أنّ اللحظات الأخيرة ربما تُظهر مفاجئات قد تحدثها فضيحة أو كارثة أو مناظرات انتخابية.