مرّ اليوم الأول لقرار التعبئة العامة، وإقفال المؤسّسات العامة والخاصة، والمحال التجارية، بالتزامٍ نسبي تفاوت بين منطقة وأخرى، في حين استمرت في بيروت عمليات رفع الأنقاض، ومحاولات إعادة ترميم ما تهدّم وسط غيابٍ مطلق للوزارات المعنيّة عن ما يجري، وكأن الأمر لا يخصّها لا من قريب ولا من بعيد، فيما واصلت بعض القوى السياسية نهجها نفسه في البحث عن كيفية تأمين مصالحها في الحكومة المقبلة، وكأن شيئاً لم يحصل في البلاد.
وفيما للناس قرارها المسبق المعترِض على أي حكومة محاصصة مقنّعة، فإن قرار الإقفال الصحّي لاقى احتجاجاً من جمعية تجار جبل لبنان التي تقدمت يوم أمس بعريضةٍ خطية حملت تواقيع التجار، وتطالب بالسماح لهم بافتتاح محالهم التجارية من العاشرة صباحاً وحتى الخامسة من بعد الظهر، لأسبابٍ اقتصادية ومعيشية أسوةً بالذين جرى استثناءهم من هذا القرار.
وعن إمكانية نجاح خطة التعبئة في الحد من تزايد انتشار كورونا، أوضح رئيس لجنة الصحّة النيابية، النائب عاصم عراجي، في حديثٍ له مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية أن هذا الموضوع يتوقف عند مدى التزام الناس بالإجراءات الوقائية، وأهم ما فيها التباعد، وعدم المخالطة، والنظافة، واستخدام الكمّامات، فعندها يمكن الحد من انتشار الوباء والتخفيف من سرعة انتشاره بالشكل المخيف.
ورأى عراجي أن كورونا أصبح أمراً واقعاً، وعلينا أن نعرف كيف نتعايش معه وتدارك خطره، لأنه لم يعد لدينا العدد الكافي من غرف العناية، والمستلزمات الطبية التي باشرت وزارة الصحة توزيعها على المستشفيات في المناطق، للتخفيف من الضغط على مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وسائر المستشفيات الحكومية التي تستقبل مرضى كورونا.
وأضاف عراجي: "عندما طرحنا موضوع الإقفال، قلنا إن الإقفال وحده لا يكفي إنما يجب أن يلتزم الناس بالإجراءات الوقائية، وعلى الدولة أن تطبّق الإجراءات الصارمة، وتغريم المخالفين عقوبات مادية لتشعرهم بخطئهم".
وعن تزايد الإصابات، أشار عراجي إلى أن تزايد الإصابات بدأ منذ تاريخ افتتاح مطار بيروت وعودة المغتربين في الثاني من تموز. فالحالات الإيجابية التي ظهرت على البعض منهم هي التي ساعدت على الانتشار بهذه الكثافة، لأنهم لم يلتزموا بالحجر المنزلي الذي كان مطلوباً منهم، أي 14 يوماً قبل مخالطة أحد، لافتاً إلى أن عدد الإصابات التي سُجّلت بعد حادثة انفجار المرفأ، أي منذ تاريخ 5 آب أصبح يوازي نصف مجموع إصابات كورونا منذ بداية تفشي الوباء في لبنان.
كما لفت عراجي إلى أن، "فئة معيّنة من الناس لا تعترف لغاية تاريخه بوجود كورونا وتعتبرها كذبة، فيما هي حقيقة مخيفة لا تقبل التشكيك بها"، مطالباً بتوخي الحذر، وعدم تصديق كل ما يُنشر على وسائل التواصل الإجتماعي.
وعن تزايد عدد الإصابات اليومية ليصل إلى أكثر من 600 إصابة، قال عراجي لـ"الأنباء": "هذا إذا لم نضرب هذا العدد بعشرة ليصل إلى ستة آلاف"، مطالباً الدولة، والجمعيات الأهلية، والمنظمات الإنسانية، والصليب الأحمر، ووزارة الصحة، وكل المنظمات التي تتعاطى الشأن الصحي، إلى الاستنفار العام والتام، والنزول إلى الشارع، والدخول الى الأحياء وإلى البيوت لتوعية الناس، وإلّا سنكون أمام كارثة محتّمة،. وخاصةً أننا على أبواب الخريف، موسم الزكام وانتقال العدوى.
على ذلك برزت في الشأن الحكومي زيارة رئيس تكتل لبنان القوي، جبران باسيل، إلى عين التينة ولقاءه رئيس مجلس النواب، نبيه بري، على مدى ثلاث ساعات تخلّلها مأدبة غداء بحضور معاون الأمين العام لحزب اللّه للشؤون السياسية الحاج حسين الخليل، والوزير السابق علي حسن خليل، وتمّ البحث خلالها بكل الملفات الحكومية دون استثناء، فكان توافقٌ على بعضها، وافتراق في بعضها الآخر، ومنها اسم الرئيس المكلّف الذي تُرِك موضوع البتّ فيه رهن مزيدٍ من النقاش.
مصادر كتلة "التنمية والتحرير" أوضحت لـ"الأنباء" أن، "اللقاء يندرج في خانة الاتصالات التي يجريها الرئيس بري لتشكيل الحكومة، وأن المحادثات تمحورت حول شكل الحكومة، وطريقة عملها التي يجب أن تكون مختلفة عن الحكومات السابقة، لأن البلد في حالة انهيار، والمطلوب حكومة قادرة على انتشاله من هذا الانهيار المستمر منذ ما يقارب السنة، ولذلك يجب الإتيان بوزراء أكفاء مشهود لهم بالخبرة، ونظافة الكف، والقدرة على العمل".
المصادر أفادت أن، "المجتمعين لم يبحثوا باسم الرئيس الذي سيكلّف تشكيل الحكومة، لأن المفروض الاتفاق على العناوين، وهي كثيرة، قبل الاتفاق على الأسماء، وهذا الأمر متروك إلى الاستشارات النيابية".
لكن مصادر متابعة لمجريات الأحداث أبلغت "الأنباء" أن، "ما لم يقله الرئيس ميشال عون إلى الرئيس بري، عن عدم رغبته تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، أبلغه إياه باسيل بحضور الخليلين، رغم النفي الذي صدر عن مكتب باسيل للأمر"، وذلك وفق ما تقوله المصادر، "لكن بري تمنّى على باسيل عدم إثارة هذا الموضوع في الوقت الحاضر قبل معرفة موقف الحريري، وإن كان سيقبل تشكيل الحكومة أم لا. وعلى الرغم من التزام باسيل بنصيحة بري إلّا أنه تمّ تسريب الخبر، وهو ما عكس المأزق الذي دخلت فيه عملية التأليف".
من جهتها، مصادر "حزب الله" أكّدت عبر "الأنباء" الاتفاق مع بري، "في أي شيء يراه مناسباً، ولا تضارب في المواقف بين الحزب وعين التينة في هذا الموضوع"، وأن "حزب الله يؤيد تشكيل حكومةٍ سياسية، وهو مستعد للمساعدة في هذا الموضوع".
مصادر "التيار الوطني الحر" نقلت عن باسيل، "عدم التطرّق إلى اسم الرئيس المكلّف في لقاء عين التينة على خلاف ما تم تسريبه، وأن المحادثات تناولت الأزمة التي يعانيها لبنان من كافة جوانبها بما فيها تشكيل الحكومة".
بدورها، ردّت مصادر تيار المستقبل، عبر "الأنباء"، بعنف على ما جرى تسريبه من معلومات عن إبلاغ باسيل لبري رفض تكليف الحريري، سائلةً عن مصير العهد القوي، "في ظلّ الأزمات المتلاحقة التي أوصلت البلد إلى الانهيار الكامل، وآخرها كانت فضيحة انفجار المرفأ".
مصادر "المستقبل" خاطبت باسيل بالقول: "إن لم تستحِ فافعل ما شئت، لأنك لم تجلب إلى البلد منذ مجيء العهد القوي إلا المصائب".