Advertise here

قصص "لحظة الإنفجار".. آنَّا لرفيقتها: ماذا لو يتحوّل الحريق لإنفجار؟

21 آب 2020 13:44:00 - آخر تحديث: 06 أيلول 2020 22:23:22

كتبت ترايسي دعيج في جريدة "النهار":

لعبة القدر. البعض يهلك والآخر ينجوا. دقيقة، ثانية، برهة، كفيلة في تحديد مصير الأرواح. الكارثة وقعت، والآثار ضخمة. التعافي صعب، ولكنّه ليس مستحيلاً. "تستمر الحياة"، مخلّدةً آثار الجراح.

يختلف وقع الصدمة بين الأطفال، الشبان والكبار في السن. البعض اعتاد على مشهدية الحرب، أما البعض الآخر فلم يختبر بعد رائحة الموت والدمار.

إجلاء رجل عجوز من الطبقة السابعة... 

دوى الانفجار، تساقط الزجاج، وعلت الأصوات في الطبقة السابعة من مستشفى القديس جاورجيوس في بيروت. كانت السيدة سوهار البيزري في زيارةٍ عادية لوالدها البالغ من العمر 89 عاماً، "عند رؤيتي الحريق، أنذرني قلبي بالاقتراب أكثر نحو الباب، أشكر الله على أنّ نوافذ الغرفة كانت مفتوحة"، مشيرة في حديثها لـ"النهار" إلى أنّ "ممرّضاً أقدم للمساعدة، فأسرعنا إلى نزع الشراشف الملطخة بالدماء، كما نزع مكنة الأوكسجين، ومن حيث لا ندري، وصل متطوعون لإغاثة كل محتاج في الطبقة المتضررة".

نُقل الرجل المسنّ من الطبقة السابعة إلى مدخل المستشفى عبر كرسي بلاستيك على الدرج. ونظراً إلى غياب سيارات كافية للصليب الأحمر لنقل الضحايا إلى خارج المنطقة في بيروت، استعانت سوهار بسيارتها لنقل والدها إلى مستشفى سيدة لبنان في جونية بعيداً من اكتظاظ المستشفيات في العاصمة. "والدي محظوظ، أمام المآسي التي حصلت".

اختارت سوهار البقاء في لبنان بالرغم من الاحتمالات التي كانت متاحة أمامها سابقاً، ايماناً منها أنّ "العائلة هي الكنز الحقيقي ومصدر القيم"، وتضيف: أتفهم رغبة الشباب بالرحيل ومن ضمنهم ابنتي تانيا عندما تقول لي أنّها بحاجة ملحّة للعودة إلى الحياة الطبيعية.

خسارة الأم لا تعوض... ذكريات ترافق أولاد الـ14 عاماً

بدأ نهار صديقتين بشكل عادي، وانتهى بأفظع الصور. قرّرت أيّا أنّا تويني ورفيقتها أماندا الاستراحة بعض الوقت. اندلع الحريق يوم 4 آب، وتسللت الفتاتان إلى شرفة منزل أماندا المطلة على مرفأ بيروت لرؤية ماذا يحدث. تشير أيّا أنّا لـ"النهار" إلى أنّه "من باب المصادفة قلت لصديقتي أماندا: ماذا ولو يتحول هذا الحريق إلى تفاعل كيميائي يؤدّي إلى انفجار؟".

لم تكن تعلم آيا حجم الكلام الذي تقوله، ولا آثاره، فما لبث وحصل ما لم يكن في الحسبان. انهالت شظايا الزجاج في المنزل كله ودمّرت معها الأحلام الجميلة والذكريات السعيدة. وعند محاولة والدة أماندا الانضمام إلى ابنتها وابنها البالغ من العمر 8 سنوات وصديقتهم، انهال الركام عليها ووقعت الفاجعة.

خسارة الأم لا تعوض، والذكريات الأليمة لا تُمّحى. مصدر الأمان والحنان وينبوع العطاء، توقف عن النبض. تتابع: "أجبرت نفسي على تدارك الأمور وحاولت الوصول إلى هاتف للتواصل مع أي أحد وطمأنته إلى أنّنا لا نزال على قيد الحياة. رحنا، نغمر بعضنا البعض ونبكي".

نزل الأولاد الثلاثة من الطبقة التاسعة إلى الطبقة الأرضية خوفاً من انهيار المبنى، باحثين عن سبيل للنجاة. ذعرٌ وقلقٌ يهيمنان على أجسادهم الطرية. باتوا لبضع ساعات مشردين بلا مأوى، ينتظرون الخلاص.

إلى متى ستظلّ الطفولة والمراهقة محكوماً عليها بالموت في هذا البلد الذي لم يعد الأمان فيه حقاً إنسانياً؟