Advertise here

قمّتا وارسو وميونيخ تعمّقان التباين الأميركي الأوروبي

19 شباط 2019 15:36:59

شكل مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا، مساحة جديدة لإبراز التباين في وجهتي نظر كل من الولايات المتحدة الأميركية، ودول أوروبية، حول عدد من القضايا الدولية، ومن أبرزها الملف النووي الإيراني والانسحاب الأميركي من سوريا، والتي كانت مدار نقاش خلال جلسات المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام بحضور أكثر من 600 شخصية أمنية واقتصادية، ورؤساء ووزراء من دول مختلفة.

 فبعد قمة "وارسو" أعلن الاتحاد الأوروبي وألمانيا رفضهما دعوة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران وعزل طهران. رافضين انتقاده مبادرة فرنسا وألمانيا وبريطانيا السماح للشركات الأوربية الاستمرار بالعمل في إيران، متجاهلين العقوبات الأميركية.
 
كشف مؤتمر ميونيخ عمق التصدعات والتباينات بين ضفتي الأطلسي، حول الأمن والتجارة في الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. 

فأعرب قادة أوروبيون، على رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عن استيائهم من سلسلة قرارات أصدرها ترامب واعتبرت معادية لحلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي.
واعتبرت ميركل أن توجّه واشنطن للإعلان أن عمليات استيراد السيارات الأوروبية تشكل "تهديداً للأمن القومي"هو أمر "يثير الرعب".

وفيما جدد نائب الرئيس الأميركي مايك بنس نصيحته للدول الأوروبية، شدد على تبرير موقف بلاده من إيران التي تتهمها واشنطن بالتخطيط لـ"محرقة" جديدة، دعا القوى الأوروبية الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في 2015 مع طهران والذي أعلن ترامب انسحاب بلاده منه العام الماضي.

كما انتقد بنس قرار فرنسا وألمانيا وبريطانيا السماح للشركات الأوروبية بمواصلة عملياتها التجارية مع الجمهورية الإسلامية رغم العقوبات الأميركية.

في المقابل، أكدت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أن التكتل مستمر في المحافظة على "التطبيق الكامل"للاتفاق، مشددة على أهمية ذلك من أجل أمن أوروبا.

كما أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس على أنه بدون الاتفاق، "لن تكون المنطقة في أمان وسنكون في الواقع أقرب إلى احتمال اندلاع مواجهة مفتوحة".
 
لكن الملف النووي ليس وحده موضوع التباين الأميركي الأوروبي، فإن قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، دفع حلفاء واشنطن إلى التساؤل عن كيفية تصديهم لمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار هناك، فسأل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان عن السبب الذي يدفع الولايات المتحدة لخلق فراغ في سوريا قد يفيد عدوتها إيران، معتبراً أن المقاربة "غامضة".

وانتقد مصدر في الحكومة الفرنسية خطوة إدارة ترامب بالقول إنها معادلة"نحن راحلون، أنتم باقون". وأضاف"يحاولون التعامل مع تداعيات قرار متسرع ويجعلوننا نحن نتحمل المسؤولية". يذكر أن فرنسا تنشر نحو1200 جندي في المنطقة، ولديها معدات عسكرية ثقيلة، وتتولى قواتها تدريب الجيش العراقي على سلاح المدفعية.

بدورها قالت المستشارة الألمانية، "هل هي فكرة جيدة للأميركيين الانسحاب فجأة وبسرعة من سوريا؟ ألن يعزز ذلك قدرة روسيا وإيران على ممارسة نفوذهما؟"، كما حذرت ميركل من مخاطر خلق فراغ في المنطقة. وأكد وزير الخارجية البلجيكي ديدييه ريندرز أن الولايات المتحدة أبلغت شركاءها في التحالف الدولي، أن قواتها ستغادر سوريا "خلال أسابيع بدلا من أشهر".

نائب الرئيس الأميركي الذي لم ينجح في تخفيف حجم التداعيات المحتملة على أوروبا جراء قرار بلاده الانسحاب من سوريا، حاول تعزيز الشرخ بين الدول الأوروبية من خلال إشادته بموقف الدول التي اتخذت موقفاً ضد مشروع -نورد ستريم2- للغاز داعياً الدول الأخرى لاتخاذ الموقف عينه، مؤكداً معارضة بلاده القوية لخط أنابيب الغاز "نورد ستريم2" الروسي الألماني الذي يجري بناؤه والذي يرى ترامب أنه يجعل أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي "رهينة" لروسيا.

كما أثنى بنس على مواقف بعض أعضاء حلف شمال الأطلسي لزيادتهم إنفاقهم الدفاعي لكنه ذكر آخرين بأن مساهماتهم لا تزال دون الهدف المحدد عند 2 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي. وانتقد صفقات شراء الأسلحة التي ينوي أعضاء في الأطلسي إبرامها مع "أعدائنا"، في إشارة إلى الاتفاق المرتقب توقيعه بين موسكو وأنقرة. وقال بنس "لا يمكننا ضمان الدفاع عن الغرب في حال ازداد اعتماد حلفائنا على الشرق".
 
التباين الأوروبي الأميركي حول الأمن والتجارة الذي بدأ يخرج الى العلن منذ دخول الرئيس ترامب المكتب البيضاوي في واشنطن، برز أول مؤشراته في قمة ميونيخ في العام الماضي حين أعلن عدد من الساسة الأوروبيين، عن رغبتهم في تحقيق استقلالية عسكرية أكبر للاتحاد الأوروبي، كرد فعل على سياسة الرئيس الأميركي ترامب. حيث طالب وزير الخارجية الألماني غابرييل بأن تطور أوروبا مزيداً من الثقة بالنفس في العالم. وشددت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، على أن التكامل الأوروبي ضرورة وليس رفاهية، قبل أن يدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأوروبيين إلى إنشاء جيش خاص للدفاع عن بلادهم.

التباينات تزداد، وتزداد معها التحديات والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، والخوف من موجات النزوح المستمرة من سوريا وليبيا وأفريقيا، إلا أن تصدع الثقة الأوروبية بواشنطن، نتيجة المواقف الأميركية المتسرعة وغير المنسقة مع الحلفاء، ومخاطر انفجار الصراع في المنطقة، يضع أوروبا المنهكة أمام مواقف صعبة، سيكون لها تداعياتها وآثارها الخطيرة على منطقة الشرق الأوسط.