Advertise here

الغَوص في كلامِ جنبلاط

09 آب 2020 10:35:00 - آخر تحديث: 04 أيلول 2020 23:39:56

إمكان رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط بما يمتلك من إرث سياسي ومخزون شعبي بالإضافة إلى رصيده الوطني، أن يُحدث إرباكاً سياسياً وشعبيّاً لأي جهة سياسية داخلية أو خارجية أو أن يُعطّل مفاعيل وتداعيات الإتفاقيات التي تستهدفه مهما بلغت ثنائياتها أو ثلاثيّاتها، أو حتّى رباعيّاتها، سواء من خلال موقف أو تصريح لا تتجاوز كلماته عدد أصابع اليد الواحدة. والأبرز أن بإمكان الرجل، إحداث خضّة على الصعيد العام وتقليب الرأي العام ضد أطراف مهما بلغت حصانتها العسكريّة والسياسيّة، وحتّى الشعبيّة.

وليس وليد جنبلاط خلال الفترة الحالية وحتى لاحقاً، بالجهة التي تسعى إلى إفتعال مشاكل خصوصاً مع أطراف بينه وبينها ربط نزاع محلّي ولا هو بوارد فتح سجالات جانبيّة تُلهي السواد الأعظم من اللبنانيين عن معركتهم الأساس التي يخوضونها ضد الطبقة السياسية الحاكمة. لكن هذا لا يعني على الإطلاق، عدم إعادة تصحيحه اتجاه البوصلة عندما يُريد البعض حرفها عن مسارها الحقيقي.

هذا مع العلم، أنه وبحسب الأجواء التي تعيشها البلاد منذ تولّي حكومة الرئيس حسّان دياب مسؤولية إدارة الدفّة، بإمكان جنبلاط اليوم وأكثر من أي وقت مضى، جرّ اللبنانيين إلى محاور حزبيّة ومذهبيّة من خلال تحالفات يعلم الجميع أنها لو قامت أو لو وافق على إقامتها، لغيّر الكثير من الموازين القائمة اليوم ولكان لها تأثير فاعل على الأرض، خصوصاً على سلاح "المقاومة" الذي يتحوّل مع الوقت إلى مادة جدل فعليّة بين اللبنانيين، حيث الإنقسام الداخلي المُخيف حول دوره وإنعكاسه على الحياة العامّة، وليس أدلّ من هذا الإنقسام، سوى المسؤوليّة التي حُمّلت لـ"حزب الله" حول تفجير المرفأ، ولو أن في هذا الامر استباق للتحقيقات التي تُجريها المؤسّسات الأمنية، وفي طليعتها مؤسّسة الجيش.

كما هو معروف، فإن لجنبلاط شخصيّة سعت على مر السنوات لاثبات نظريّات غالباً ما كانت مُعاكسة للأجواء السائدة، وقد نجح في الكثير من المرّات، لكن ذلك لم يمنعه على الإطلاق من الاعتراف بالإخفاقات أو السقطات التي كان يقع فيها، ومطالبته اليوم بتحقيق دولي حول حادثة المرفأ، بالتأكيد ليس موجّه ضد طرف داخلي وتحديداً "حزب الله"، إنمّا هو من باب التشكيك بالطرق التي تُجرى فيها التحقيقات في لبنان، والمماطلات القضائيّة، عدا عن التدخلات السياسيّة التي يُمكنها حرف أي مسار تحقيقي، بحسب ما تهوى الجهات المُهيمنة.

بعد المؤتمر الذي عقده جنبلاط وبعد الإطلالة التي خصّصها الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، راح البعض ينبش بعض الخلافات ليوهم الرأي العام بأن القصّة عبارة عن "قلوب مليانة" أراد من خلالها جنبلاط الإلتفاف على خصمه السياسي والضغط عليه، بهدف تحقيق مكاسب سياسيّة سواء في المؤسّسات أو عدد من مناطق الجبل، إلّا أن الحقيقة أبعد من ذلك وتتعدّى ما حُكي أو كُتب، فهي تتعلّق بسلطة "أُصيبت بالطرش" وربما العمى، تصمّ آذانها اليوم عن مطالب شعبها، كما سبق وغضّت بصرها منذ 6 سنوات تقريباً عن وصول "الأمونيوم" إلى مرفأ بيروت، وصولاً الى تقاذفها مسؤولية مذبحة المرفأ.

عود على بدء، يؤكد العارفون بسياسة وليد جنبلاط، أن الرجل ليس بوارد فتح جبهات حرب مع أي طرف داخلي، وفي الوقت عينه هو أبعد ما يُمكن عن سياسة المحاور وفتح الأبواب أمام تحالفات مّوجّهة ضد أي فريق لا داخلي ولا خارجي، فزعيم الجبل مُنكبّ هذه الفترة على خدمة الناس منذ ما قبل انتشار فيروس "كورونا" وصولاً الى "جريمة المرفأ". وفي قراءة لأبعاد ما يُريد طرحه جنبلاط اليوم، يقول العارفون أن أولويّة تغيير السلطة الحاكمة والذهاب الى انتاج سلطة جديدة يكفلها الشعب، لا تقل أهميّة عن حرب الجوع والقهر والموت التي يخوضها كل لبنان.