الكورونا أمام اختبار الإقفال الجزئي... وباب التفاوض مع الصندوق مقفل

بسري يوقظ جبهة "التصدي"... والوقائع تنقض التهويل

31 تموز 2020 08:05:00 - آخر تحديث: 31 تموز 2020 10:18:04

بقدرة "مقاول" باتت صفقة سد بسري خط الدفاع الأول عن محور "التصدي"، وخرجت المواقف الداعمة لإنشاء السد تحت شعار حقٌ يراد به باطل، "جرّ المياه إلى أهالي بيروت والضاحية"، فيما الهدف ابتزازٌ سياسي، وضغوط لتيسير صفقات الاستنفاع.

لكن فات هؤلاء وجود الدراسات الجديدة لأرض مرج بسري القائمة على فوالق زلزالية، ولمياه السدود الملوثة، والتي تحتوي على جراثيم ومعادن مسرطنة. فهل يريد هؤلاء إشباع عطش أهل بيروت بمياهٍ قاتلة مسرطنة مصدرها الصرف الصحي؟

نهر الليطاني، الذي سيشكل أحد أبرز المصادر للمياه المنوي استجرارها عبر سد بسري هو أكثر الأنهار الملوثة. وفي هذه الإطار، نشر عضو كتلة اللقاء الديمقراطي، النائب وائل أبو فاعور، عبر حسابه على "تويتر" آخر الفحوصات التي أجرتها مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية على عيّنات من البقدونس والنعناع المرويّة من نهر الليطاني، وتعود هذه الدراسة إلى صيف العام 2019، وأظهرت ارتفاعاً في نسبة المواد المسرطنة، بحيث وصلت في بعض العيّنات إلى 100%.

وفي هذا الإطار، أوضح المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، ميشال افرام، في حديثٍ مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية أن، "نسبة تلوث مياه نهر الليطاني في الدراسة الأخيرة بلغت 100%، فمياهه تحتوي على جراثيم ومعادن ثقيلة، وهي مواد مسرطنة، ويعود السبب في ذلك إلى الكميات الهائلة من النفايات الموجودة على ضفاف النهر، وكذلك ضخّ الصرف الصحي في مجرى النهر المذكور".

وتساءل افرام عن سبب الإصرار على "استجرار المياه من هذا النهر، على الرغم من فشل محاولات تنظيفه، وعدم معالجة مصادر تلوّثه"، وأكّد أن "ما نسبته 90% من مياه الأنهر في لبنان ملوّثة وغير صالحة للشرب".

أما في ما خصّ إعادة تكرير هذه المياه فقد نفى افرام أي إمكانية لتكريرها، مطالباً برفع الضرر المباشر الواقع على مجرى المياه في الأساس قبل البدء بعملية التكرير، مشيراً إلى أن "هذه عملية تحتاج إلى سنوات، وليس لفترة قصيرة، وتبدأ من رفع النفايات، ووقف ضخّ المجارير فيها".

وختم افرام مشدداً على، "وجوب إعلان حالة طوارئ بيئية مائية مع تلوّث مختلف مصادر المياه في لبنان، أكان لجهة الأنهار أو الآبار الجوفية وغيرها، لأن الوضع الحالي تخطّى مرحلة الخطورة، وباتت المياه غير صالحة نهائياً، لا للزراعة ولا للشرب".

وفي سياق الاعتراضات على إنشاء السد، وفي الشق القانوني فقد تقدّم عدد من الناشطين والبيئيّين والمحامين بشكاوى وطعون لتعرية المشروع من مسوغاته القانونية. وفي هذا المجال، يعزز المحامي سليمان مالك شكواه بدراساتٍ بيئية تبيّن الآثار المدمّرة للسد على المرج، ويشير إلى أن، "شوائب عدة تدور في فلك الملف ومنها رفض البلديات للمشروع، وهي الهيئات الشرعية المنتخبة من الناس، وبالتالي بطلان المراسيم السابقة القائمة على موافقة هذه البلديات، خصوصاً وأن بعض هذه الموافقات غير قانونية في الأساس، وهي قائمة على موافقة رئيس البلدية بغياب موافقة المجلس البلدي"، لافتاً إلى أن، "موقفهم اليوم أساسي ولا يمكن تجاوزه، ورفضهم اليوم أعاد تصويب المسار في الطريق الصحيح". كما يذكر مالك غياب التقنيات اللازمة، وعدم أهلية البلديات منذ سنوات لإقامة الدراسات المطلوبة عند الموافقة.

ورداً على تذرّع البعض بورقة الموافقة على الاستملاكات سابقاً، فيشير مالك إلى أن "هذه الاستملاكات لم تخضع يومها لإرادة الناس، بل لقوة القانون، ما يعني أن لا قوّة للأهالي وأصحاب الأراضي في هذا المجال".

وعن الشكاوى والطعون المقدمة، أعلن مالك عن "شكوى جزائية مقدّمة للنيابة العامة التمييزية في العام 2019، لانتهاء صلاحية تقييم الأثر البيئي للمشروع، وطعون عدة مقدّمة أمام مجلس شورى الدولة، وجميعها تستند إلى دراسات علمية بحتة. لكن الإجراءات القضائية تحتاج وقتاً، مستبعداً وجود تدخّل سياسي في ظل قوة المعطيات الداعمة للشكاوى والطعون".

في سياقٍ آخر، ما زالت القطاعات على اختلافها تعاني ثقل الأزمة الحالية، في ظلّ غياب أي بصيص أمل في نهاية النفق يشجّع الصمود.

وبعد التصريحات التي أطلقها رئيس الحكومة بحق وزير خارجية فرنسا، والمجتمع الدولي بشكل عام، بسبب ربطهما أي مساعدات بتنفيذ الإصلاحات، وذلك في إشارةٍ واضحةٍ لعجز وغياب النوايا الحقيقية لدى الحكومة من أجل الشروع بتحقيق مطالب المجتمع الدولي، كما المجتمع الداخلي، وبعد الفشل الذي أظهرته الممارسات الحكومية، أكان لجهة تحديد أرقام الخسائر، أو لجهة اعتماد نهج المحاصصة والفساد نفسه في مختلف الملفات، ابتداءً من الكهرباء وصولاً إلى التعيينات وغيرها، فَقَد لبنان كامل مصداقيته أمام الخارج، وصندوق النقد الدولي بالتحديد، الذي لوحظ توقف اجتماعاته في الفترة الأخيرة مع الوفد اللبناني المفاوض.

وفي اتصالٍ له مع "الأنباء"، نفى مدير أنظمة الدفع السابق في مصرف لبنان، رمزي حمادة، وجود أي سببٍ تقني لوقف الاجتماعات، لافتاً إلى أن، "الصندوق أعطى مهلةً طويلة، وهي أكثر من ثلاثة أشهر بسبب اهتمامه بلبنان، خصوصاً وأنه الاقتصاد الحر الوحيد المتبقي في المنطقة، فيما اجتماعات الصندوق في العادة لا تتعدى مهلتها الأسبوع. إلّا أن التخبّط الحكومي اليوم، وعدم الاتفاق على أرقام موّحدة بالنسبة للخسائر هي أمور تعرقل المفاوضات، وتُظهر فشل الحكومة في التعاطي مع هذا الملف، ما يؤثر على ثقة الصندوق بلبنان".

ويستغرب حمادة، "تحدّي دياب للخارجية الفرنسية والمجتمع الدولي، على الرغم من محاولاتهما إخراج لبنان من أزمته، إلّا أن المطلوب الوحيد اليوم هو القيام بالإصلاحات الجدّية التي لطالما طالبوا بها، منذ مؤتمرات باريس 1 و2، ومؤخراً سيدر".

أما في ما خصّ الصندوق، فيشير حمادة إلى أن، "أعضاء الصندوق هم ممثلون عن الدول المشاركة، وقد سبق لهم أن عملوا مع عددٍ من الدول، ومن المعيب اليوم محاولة الالتفاف خلفهم في زواريب سياسية ضيقة، كما أن الصندوق اليوم يتكبّد تكاليف عالية نتيجة إقامة فريقه المفاوض في لبنان، مما يجعله يستعجل الأمور أكثر، خصوصاً في غياب أي جدوى حتى اليوم".

ويختم حمادة داعياً إلى، "الشروع بالإصلاحات الضرورية التي تبدأ في ملف الكهرباء، وتوحيد الأرقام، لاستقدام الأموال في ظل الانهيار الحاصل"، لافتاً إلى أن "الصندوق لن يترك لبنان".

صحياً، ما زالت أرقام كورونا تواصل ارتفاعها مع تسجيل 129 إصابة جديدة يوم أمس، وحالتَي وفاة، وهي وتيرة خطيرة اعتاد لبنان تسجيلها في الأيام الأخيرة، مع غياب التجهيزات الاستشفائية المطلوبة لمجاراة الواقع، ما يزيد من خطر الوقوع في الكارثة الصحية المرتقبة.

وقد دخلت الإجراءات الحكومية الجديدة، والقاضية بالإقفال التام، حيّز التنفيذ يوم أمس الخميس، في محاولة لكبح الانتشار قليلاً، وإعادة الأرقام إلى الواقع المقبول. وفي هذا السياق، يشير طبيب الأمراض التنفسية، بيار أبي حنا، إلى أن "الإجراء الأساس الذي يجب تطبيقه اليوم هو التباعد الجسدي، الذي من الممكن أن يتحقق مع الإقفال التام، وهو أمر إيجابي يؤشّر إلى تراجع الأعداد، إلّا أن النتيجة لن تظهر قبل أسبوعين".

لكن حنّا شدّد على، "ضرورة تطبيق الإجراءات بجدّية من أجل ضبط الأمور وتفادي تفلّتها، لعدم قدرة القطاع الاستشفائي على التحمّل، وبالتالي غياب العناية الطبيّة عن المرضى".

وختم أبي حنا مطالباً الجميع بـ"الإلتزام بالتدابير الوقائية، وأولها ارتداء الكمامة وممارسة التباعد". كما حثّ الحكومة على "فرض هذه الإجراءات حتى في حالات فتح البلاد، لأن الوباء لن ينتهي قريباً، ويجب التعايش معه".