Advertise here

حياد لبنان

30 تموز 2020 17:13:33

ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها موضوع حياد لبنان عن الصراع الخارجي، والمحاور الإقليمية والدولية، وطبعاً ليس عن الصراع العربي- الإسرائيلي .ولكن الكلام عن الانحياز، والدخول في تحالفات، قد يضرّ بعلاقة لبنان مع المحيط العربي والدول الكبرى، حيث ليس لنا مصلحة فيه، ولا الدخول في الصراعات الإقليمية والدولية، وخاصةً أننا دولةٌ غير مؤثّرة بشكلٍ فعّال، ولسنا من الدول الكبرى.

ولبنان بحجمه، وتركيبته، وموقعه، وسياسته، وتعدّده الطائفي والمذهبي، وصغره حيث لا  مساحات مشاع فيه للزراعة، ولا معامل ومصانع. وعددُ السكان متواضع، لذلك هذا البلد يعتمد في أكثر الأحوال على السياحة والخدمات. فمن هذا المنطلق لا يُمكن، ولا يجوز، أن نكون في تحالفاتٍ ومحاور إقليمية ودولية متناقضة. لذا تبقى أفضل طريقة هي الحياد لنحفظ موقع لبنان بين الدول العربية والعالمية، ونكون على مسافةٍ واحدةٍ، وعلاقاتٍ جيّدة مع كل العالم. إن موضوع حياد لبنان طُرِح في الماضي عدة مرات ولم يتحقّق. وعلى العكس، فقد كنّا في كثيرٍ من الأحوال في قلب المعمعة، ودفعنا أثماناً وانقساماتٍ داخلية، وأحياناً حروباً، ولم نتعلّم من دروس الماضي . 

إن المشاكل، والأزمات، والانقسامات السياسية، والطائفية، والمذهبية، التي يعاني منها لبنان وخاصةً هذه الأيام، حيث انعكس هذا الوضع على الاقتصاد، وأصبحنا بلداً مفلساً. 

ويعاني هذا البلد من أزماتٍ اجتماعية واقتصادية للمرّة الأولى. وهذا يهدّد أكثرية الشعب اللبناني من حيث الفقر، والعوز، والبطالة، وشحّ الأموال، وقد يسبّب كل هذا كارثة، ومن الممكن، لا سمح الله، حروباً متنقلةً بين الناس والمناطق. وكلّ هذا بسبب انخراط لبنان في محاور وصراعاتٍ إقليمية خطيرة. وهناك شبه انعزال تام عن العالم العربي والدولي. ولهذا السبب فإن الدول العربية التي كانت على الدوام تساعد للبنان، تتخذ اليوم لها موقفاً آخر، ولا تريد مساعدتنا. وكذلك الدول الأوروبية، لأن لبنان أصبح لاعباً أساسياً في اللعبة الإقليمية والدولية، وأصبح جزءاً من محور  معادياً لهذه الدول.

وما طرحه البطريرك الراعي أخيراً حول حياد لبنان لم يكن جديداً، بل أتى في أجواء عزلة لبنان عن محيطه العربي والدولي، بل وزاد من مشاكل لبنان الاقتصادية والاجتماعية، لذلك كانت هذه الصرخة بدون الصدى الإيجابي للأسف، لأن هناك قوىً سياسية أساسية، متمثلةً في التيار الوطني الحر وحزب الله، اللذان لا يريدان الحياد لأنهما في قلب هذه المحاور. وباعترافهما فهُما ينتميان إلى محور الممانعة، وهو ممّا يعقّد الأزمة، ويزيد من حصار لبنان الاقتصادي، والمشاكل الداخلية فيه، والدوران في الحلقة المفرغة. وهذا ما ينعكس أيضاً على حصار الحكومة محلياً وإقليمياً ودولياً، وحجب كل المساعدات، حتى من البنك الدولي، وذلك ما دامت هذه الحكومة حكومة حزب الله حسب التصنيف.

حياد لبنان، وفي هذه الظروف والأوقات، من سابع المستحيلات لأن لبنان اليوم يختلف عن لبنان الأمس. اليوم هناك حزبٌ مسلّحٌ محليٌ وإقليمي

قوي، وله تدخلات على المستوى الإقليمي والدولي، سياسياً وعسكرياً، وهو جزءٌ أساسي من محورٍ له تداعياتٍ وحضور فاعل في المنطقة، لذلك موضوع حياد لبنان اليوم فكرةٌ قديمة متجددة، وهي لمصلحة البلد في ظروف طبيعية، ووحدةٍ وطنية حقيقية، ولكنها صعبة المنال في الوقت الحاضر. لهذه الأسباب يجري طرحها اليوم لتحريك المياه الراكدة في المستنقع اللبناني.