هل بدأت إيران تعدُّ للانقلاب على الكاظمي في العراق؟

30 تموز 2020 16:05:00 - آخر تحديث: 30 تموز 2020 17:57:02

يستعد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لزيارة واشنطن في الأيام القليلة القادمة، حيث من المرتقب أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووزير الخارجية، مارك بومبيو. ومن المرجّح أن يتوجّه الكاظمي والوفد المرافق له إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد عطلة عيد الأضحى، في العاشر من شهر آب المقبل. والزيارة هي استكمالٌ لمباحثات الجولة الأولى من الحوار العراقي- الأميركي التي انطلقت في الحادي عشر من شهر حزيران الماضي، بعدما بُحث تواجد القوات الأميركية، ومستقبل وجودها على الأراضي العراقية.

مصادر مقرّبة من مكتب رئيس الوزراء العراقي أوضحت لـ "لأنباء" أن لقاءات المسؤول العراقي ستناقش تطوير العلاقات بين البلدين، ومنها الجانب الأمني. وقالت المصادر، "علاقتنا بواشنطن استراتيجية، وثقافية، واقتصادية، وزراعية، وصحيّة، وما من شكٍ في الجانب الأمني. وهذا أمر طبيعي لأنه لدينا حرب مشتركة ضد داعش، وعلاقات عسكرية، ونستورد منها السلاح".

وكان العراق قد أبرم مع واشنطن في كانون الأول 2008، اتفاقية إطار العمل الاستراتيجي، كما وقّع في الوقت نفسه الاتفاقية الأمنية "سوفا" SOFA الخاصة بوضع القوات التي تنظّم موقف تواجد القوات الأميركية في العراق، والتي دعت بموجبها القوات الأميركية إلى الانسحاب من المدن العراقية في حزيران عام 2009، والانسحاب من العراق كلياً بحلول كانون الأول 2011.

تواجه الحكومة تحديات اقتصادية، ومالية، وأمنية، نتيجة الفساد المستشري في البلاد، وسياسة المافيا التي اعتمدتها الإدارات المتعاقبة منذ عام 2006، والمدعومة من إيران، والتي أدّت إلى انفجار ثورة غضب الشارع العراقي بوجهها مطلع تشرين الأول الماضي، فمنذ وصول الكاظمي إلى رئاسة الحكومة يحاول، "ترتيب بيته الداخلي، واستعادة السيطرة العراقية على المؤسّسات الحكومية والرسمية، وخاصة الأمنية، كما يسعى  إلى تحقيق توازن في علاقات بلاده الإقليمية، وعدم السماح لأيٍ من دول الجوار التدخل في شؤون بلاده الداخلية، انطلاقاً من عدم تبنّيهِ سياسة المحاورِ، وعدمِ الدخول طرفاً في الصـراعاتِ، والانفتاحِ الإيجابي على الدولِ في نطاقِ عمقِهِ العربي وجوارِهِ الإسلامي، والتزاماتِهِ الدولية"، وزار الكاظمي على رأس وفد وزاري رفيع طهران والتقى روحاني وخامنئي، من أجل تنظيم علاقة حسن الجوار بين بلاده وإيران، وكان من المقرّر أن يستبق زيارته تلك بزيارة كانت مقرّرة إلى الرياض، لكن حالت صحة الملك السعودي دون تحقيقها.  

لكن إيران التي تتخذ العراق، ومن خلال ميليشياتها التي أنشأتها ودرّبتها وجهّزتها بالعتاد العسكري، صندوق بريد لتبادل الرسائل مع الولايات المتحدة الأميركية، ترفض خيارات الكاظمي، لا بل تحاول إجهاض مساعي حكومته، فلا يمضي أسبوعٌ أو أقل، إلّا وتتساقط صواريخ الغراد في المنطقة الخضراء قرب السفارة الأميركية، كما ردت طهران على عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس مسؤول الحشد الشعبي العراقي والمقرّب من طهران على يد القوات الأميركية قرب مطار بغداد الدولي، بقصف القواعد العسكرية الأميركية في العراق، كما أعلن حلفاؤها "إخراج القوات الأميركية من العراق" بالمقاومة المسلحة ثأراً لسليماني والمهندس.

كما تتهّم كتائب "حزب الله العراق" التابعة لإيران الكاظمي بالعمل على تمديد ولايته، وأن هدف زيارته الى طهران تصب في سياق سياسة "إبعاد ملف إخراج القوات الأميركية من العراق عن سلّم أولويات حكومته، وهذا يستوجب تهدئة الأجواء بين طهران وواشنطن".

مصادر سياسية عراقية أكّدت لـ"الأنباء" أن زيارة الوفد العراقي إلى إيران أحيطت بالكثير من التشنّج، لا سيّما اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء العراقي بخامنئي.

وكشفت المصادر أن خامنئي طالب الكاظمي تسديد مستحقات شراء العراق للكهرباء والغاز من إيران بالدولار الأميركي الذي تحتاج إليه إيران بشدة من خلال بنوك صينية، لكن الكاظمي رفض ذلك التزاماً بتطبيق العقوبات الأميركية، وأصرّ على استخدام العملة العراقية أو الإيرانية، كما رفض الكاظمي اللقاء بقائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني.

وعزت المصادر ذلك إلى "عدم موافقة الكاظمي على تلبية مطالب الإيرانيين، تشكيل جبهة واحدة في مواجهة الولايات المتحدة".

وكان خامنئي قد كتب على حسابه في تويتر خلال وجود الكاظمي في طهران مهدداً أن، "إيران لن تنسى جريمة اغتيال أميركا للفريق سليماني وأبو مهدي المهندس، وستوجّه حتماً ضربة مماثلة للأميركيين".

وخاطب خامنئي رئيس الحكومة العراقية في التغريدة نفسها قائلاً، "لقد قتلوا ضيفكم في داركم، واعترفوا بهذه الجريمة بشكلٍ صريح، وهذه ليست قضيّة بسيطة".

وكتب أيضاً أن، "أميركا عدوّ بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهي لا ترضى بعراقٍ مستقلٍّ وقوي يمتلك حكومة حائزة على آراء الأكثريّة. ولا يكترث الأميركيّون للشخص الذي يستلم رئاسة وزراء العراق، بل إنّهم يسعون لتشكيل حكومة شبيهة بحكومة الحاكم الأميركي في العراق، بول بريمر، في بدايات المرحلة التي تلت سقوط صدّام".

في هذا السياق يقرأ المراقبون تطوّر الأحداث الداخلية في العراق، والتي باتت شبه يومية، حيث يرى البعض أن إيران بدأت الرد على رفض الكاظمي للطلبات الإيرانية، من خلال تحريك عدد من أدواتها في الداخل العراقي لإرباك الحكومة، وإفشال مهمة الكاظمي، والانقلاب عليه، حيث رصدت أجهزة الأمن العراقية نشاطين يكشفان نوعية التحوّل في مسار التصعيد الإيراني ضد الولايات المتحدة. الأول هو مهاجمة رتلٍ أميركي للإمداد اللوجستي جنوب العراق، والثاني هو محاولة إطلاق طائرة مسيرة، بعد تفخيخها بمواد متفجرة، نحو مبنى السفارة الأميركية في بغداد.

وذكرت مصادر أمنية أن جهاز الاستخبارات ألقى القبض على شخصٍ وهو يقوم بتصوير عملية تفجير عبوات ناسفة ضد رتلٍ عسكري ينقل معدات لصالح القوات الأميركية على الطريق الرابط بين البصرة والناصرية جنوباً. وفي العملية الثانية، وضعت سلطات الأمن العراقية يدها على طائرة مسيّرة في منطقة الجادرية، المحاذية للمنطقة الخضراء وسط بغداد، والتي جرى تفخيخها بالمتفجرات تحضيراً لإرسالها نحو المنطقة الخضراء المجاورة، حيث مباني الحكومة العراقية والسفارتين الأميركية والبريطانية.

وفي السياق عينه أكّدت شهادات إعلامية لناشطين عراقيين في ساحة التحرير دخول جماعات تابعة لفصائل موالية لإيران على خط الاحتجاجات، والتي بدأت تدفع باتّجاه الصدام بين المتظاهرين السلميين والقوى الأمنية العراقية، حيث سقط خلال الأيام الماضية ثلاثة من الناشطين. 

كما دخلت قنوات وشخصيات محسوبة على ولاية الفقيه الإيرانية على خط المظاهرات، والترويج المتواصل لموجة جديدةٍ من الاحتجاجات. ولعل البيان الصادر عن وزارة الداخلية العراقية الذي أعلن فيه نتائج التحقيقات الأولية التي تم إجراؤها بطلب من رئيس الوزراء، "أظهرت وجود عصابات إجرامية خطيرة" تسعى لنشر الفوضى عبر مهاجمة المتظاهرين من الداخل. 

وكان رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وعد بالكشف عمن يقفون وراء هذا العنف، وتعهّد بالحفاظ على "الحق المشروع" في التظاهر بعد وفاة المتظاهرين. وقال في كلمةٍ وجّهها إلى العراقيين، "استلمت منصبي بعد بحرٍ من الدماء، ولا أريد سفك المزيد" مشدداً على ضرورة إجراء الانتخابات المبكرة، ورافضاً بشدة مواجهة المتظاهرين بالرصاص، ومؤكّداً بأنه أمر بفتح تحقيق في ذلك، وتقديم الحقائق له خلال 72 ساعة.

أضاف الكاظمي، "أشعر بألمٍ شديد وأنا أرى شعبي وهو يعاني في الحر اللّاهب بسبب الخراب في الكهرباء". وقال، "كنت أتمنى لو كان في اليد حلٌ سحري، ولكن للأسف سنوات طويلة من التخريب، والفساد، وسوء الإدارة لا حلّ لها في يوم وليلة. ليس من العدل والإنصاف أن نطلب من حكومةٍ عمرها الفعلي شهران أن تدفع فاتورة النهب والسلب الذي ارتكبته جماعات وحكومات سابقة".

في هذا السياق غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، على حسابه قائلاً، "الذي يسمع أخبار العراق من انقطاع للكهرباء، إلى شبه نفادٍ للمياه في دجلة والفرات، إلى تبخّر عائدات النفط التي تنفَق على معاشات وهمية تخصّ فلول الحشود الشعبية، إلى غزو البضائع الإيرانية، يرى بعضاً من الشبه والحالة اللبنانية. لا يُحسد الكاظمي على وضعه، ولا يُحسد الشعب اللبناني على حكومة الديب".