إن الحياة عابرةٌ في سبيلها، والأمجاد باقيةٌ في أرضها، والأعمال راسيةٌ لأهلها لعلّهم يفقهون معنى التعاطي والانحناء للوطن.
حفرتم في نفوس الناس ألماً، ودقدقتم في قلوبهم كرهاً. إلامَ تنتظرون، وماذا تتصورون. مشاريع غيّرت معادلة الوطن، وجعلت إعدامه فجوةً عربية، ومدفنه حفرة أجنبية حتى أصبح جثماناً يُكلّل ليقام له جنازةَ هدر استقلاله، وقضائه، وأمنه، وحجرةً كُتب عليها، "هنا دُفن الوطن على يد خوّانه، وقليلي الأمانة، ومرتهَني الشرق والغرب. هنا دُفن الوطن حيث أصبح جلّاده يرثيه، وقاتله يبكيه، وناهبه يشهد به. هكذا تمت المبايعة على حساب الخسارة، وهنا تمّت الصفقة حيث سنعبر يوماً في طريقٍ لنقول، "هنا كان لبنان الاستقلال. لبنان الحضارة". لبنان الثقافة والتنوّع غرقَ في صفقة كونية إقليمية، وبات الضحية في معادلةٍ مأساويةٍ غيّرت موازين الوطن، وأجهضت خيارات الوطنية، وبدّلت مسارات السياسة الداخلية حتى أصبحنا غارقين في ربوع الوطن المهجور. الوطن الغائب، المعزول عن الدول.
سياسات حكمٍ توالت عليه بمحاور فساد وإذلال بصفقات نهبٍ وسمسرة، وكانتونات تستولي على القرارات لتبقى هي في هذا الوطن، أو لا يبقى أحد. وسياسات أخرى أتت إلى السلطة جائعة لملمت كل مكوّنات الدولة ومالها على حساب المواطن حتى أفرغت الخزينة، وأغرقت البلد بالمجهول، والفقر والعوز، ونجدهم اليوم في صفوف التملّق لمحاربة الفساد. عجيبٌ أمرهم. فاسدون يحاربون فسادهم، ومرتهنون يكابرون على أعمالهم، وسافكو دماء يدّعون حماية الوطن، ومتآمرون يدّعون الإصلاح، وبناء وتوحيد صفوف في جمهورية الورق المفلسة.
أصبح عهدكم في كراتين التلف، وصلاحيتكم انتهت، وأصبح رميَكم في محارق انتهاء المدة واجبٌ وطني للقضاء على أثر وبائكم الفاسد والمعدي لأنكم فيروس سمّم مكوّنات الدولة، وقضى على كل بنيانها الاقتصادي، والإنساني، والاجتماعي، والحضاري، حتى أصبحت معابر الوطن كأنها عابرة سبيل يدخل من يشاء، ويخرج من يشاء، دون رقابة.
حكومةٌ تغيّرت وبدّلت معها وجوه الاختصاص، فكشفت قناعها، وأثبتت أنها حكومة الأفعى، لادغةً تلدغ كل من يحاول المساس بدويلة الدولة وأتباعها. حكومةٌ سقطت في خياراتها الإنقاذية للوطن، واليوم سقطت في مشهد تحويل البلد إلى مزبلة، حتى أصبحت النفايات عائمةً على الطرقات، وتسبح في البحر، وتأخذ قيلولة على الشاطئ. صدق من قال، "هيك حكومة زبالة بدها زبالة". هذا المشهد المبكي والمحزن كافٍ لإسقاطكم وخلعكم، لأنّكم أثبتم بأنكم نفايات الوطن، والقمامة لا تنتهي صلاحيتها، إنما تفحّ رائحتها على أراضي الوطن. فرائحتكم أصبحت كريهة، وطمركم أصبح قريباً.
حُرقت كراسيكم، ومناصبكم اهترأت في سرايا التكابر والانحطاط العقلي، وأصبح من الواجب الانطلاق في هذا الوطن لبنان. لبنان الحقيقي، وإعادته إلى حياة الحضارة والتاريخ المجيد، وإعادة الناس إلى الوطن الذي يحلمون به، وعزلِكم أنتم وحدكم، وترككم تتنازعون تحت مصير الحرمان حتى تتلاشوا وتنتهوا، وفي يوم مماتكم سنكتب على قبوركم، "هنا حكمَ الفاسدون، وهنا ماتوا محاصرين تحت أقدام الشرفاء.
وطني، "لا بد للّيل أن ينجلي... ولا بد أن يستجيب القدر"، ولا بدّ للأمل أن يُشرق، ولا بدّ للشر أن ينكسر، وأن يبرق نور الحقيقة من جديد في سماء الحرية، وعلى أرض الوطن.