أفضل وسيلة لتجهيل المرتكب هي تصويب إصبع الاتّهام نحو الجميع...
منذ 17 تشرين والنزول العفوي للناس إلى الشارع، بعد أن ضاقوا ذرعاً بالوضع السياسي، والمعيشي، والاجتماعي في لبنان، انتشرت بسرعة البرق شعاراتٌ رنّانة، بسيطةٌ بلغتها، ومعبّرة بمعانيها، بغضّ النظر عن منطقيّتها واقترابها من الحقيقة والواقع في وطنٍ يحتوي كماً هائلاً من التناقضات والمفارقات، ويصطدم الإصلاح فيه بعوائق وسدودٍ أكثر من أن تحصى وتعد.
جاذبية هذا الشعار تكمن في وهم الانقلاب السحري على وضعٍ سيّءٍ عاناه البلد، وكأنه قادرٌ أن يزيل قوى موجودة بأكملها، ليأتي بقوىً جديدةٍ تعتبر نفسها غير متورطة سابقاً وقادرة على التغيير...
يُعفي هذا الشعار أصحابه من تهمة الانحياز لفريقٍ لبنانيٍ دون آخر... لكن نقطة ضعفه أنه يساوي بين الحق والباطل. بين سبب المشكلة، ومَن عانى مثله مثل بقية اللبنانيين بسببها، بل أكثر من ذلك لأنه هو مَن سبق الثورة بأشواط في النضال بكل الوسائل، والإشارة إلى مكامن الخلل، والهدر، والخطأ...
هذا الشعار، بمكانٍ ما، هو نتاج عقدةٍ طائفيةٍ بشكلٍ غير مباشر، وكأن أصحابه مضطرون لشتم الجميع، أي على مبدأ "ستة وستة مكرّر" حتى يصحّ حيادهم!!
علمياً، كل تعميمٍ يفتقر إلى الدقة والمنطق ما هو إلّا هروبٌ من تحديد المسؤوليات بجرأةٍ وواقعية...
ولن يغيب الأمل بثورةٍ مبنيةٍ على الوعي والمعرفة تنهض بهذا الوطن الجريح...