Advertise here

"وارسو" يحمل ايران مسؤولية عدم استقرار المنطقة و"سوتشي" يكرر نفسه

15 شباط 2019 18:56:00 - آخر تحديث: 17 شباط 2019 12:24:24

انتهت قمتا "وارسو" و"سوتشي"، لتبدأ مرحلة جديدة من التصعيد في المنطقة، عنوانها "مواجهة إيران كشرط للاستقرار" كما أعلن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي اعتبر ان إيران تمثل "أكبر تهديد للسلام والأمن في الشرق الأوسط، وطلب بنس خلال مؤتمر وارسو حول السلام والأمن في الشرق الأوسط، من الأوروبيين الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، محذراً من مزيد من العقوبات الأميركية على طهران.

ودان بنس مبادرة فرنسا وبريطانيا للسماح لشركات أوروبية مواصلة العمل في إيران في خطوة اعتبرها  "غير حكيمة ستقوّي إيران وتُضعف الاتحاد الأوروبي وتُبعد المسافة أكثر بين أوروبا والولايات المتحدة". وتعهد بنس بمواصلة ممارسة أقصى الضغوط على طهران. وقال "فيما يواصل الاقتصاد الإيراني التراجع وينزل شعب إيران الى الشوارع، يجب على الدول المؤيدة للحرية أن تقف معاً لكي تحاسب النظام الإيراني على العنف الذي ألحقه بشعبه والمنطقة والعالم". وأضاف أن العقوبات الأميركية ستُشدد إلا إذا قامت إيران "بتغيير سلوكها الخطير والمزعزع للاستقرار".

في المقابل وعلى الضفة المقابلة من وارسو اجتمع ضامنو أستانة، زعماء روسيا وتركيا وإيران في مدينة سوتشي، دون التوصل الى أي اتفاق جديد حول القضايا المطروحة، إن لناحية العملية التي تريد روسيا تنفيذها في منطقة خفض التوتر في  إدلب، أو تجاه "المنطقة الآمنة" التي تريد تركيا انشاءها في الشمال الشرقي من سوريا، في محاولة منها لملء الفراغ الذي سينشأ جراء انسحاب القوات الأميركية من هناك.

وإذ شكك الزعماء الثلاثة في جدية قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "إن روسيا لم تشهد أي تغييرات كبيرة تشير إلى أن الولايات المتحدة تتحرك لسحب قواتها من سوريا". 
وقال إن ترامب يحاول الوفاء بوعود الحملة الانتخابية من خلال إصدار أمر بسحب القوات، لكنه لم يستطع بسبب ما وصفه قضايا سياسية داخلية. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه لا يوجد جدول زمني واضح لانسحاب القوات الأميركية، مضيفا أن فريق ترامب لا يتفق مع الرئيس الأميركي بشأن الانسحاب المخطط له.  وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يضر ببلدان المنطقة ويدعو واشنطن إلى سحب قواتها بالكامل من المنطقة.
وفي ختام القمة قال بوتين "إن الدول الثلاث اتفقت على اتخاذ خطوات إضافية غير محددة" وهي صيغة استخدمت في اجتماعات سابقة لكنها لم تذكر ما هي. وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين، لوكالات الأنباء الروسية "إنه لم يتم الاتفاق على أي عملية عسكرية جديدة ضد إدلب"، ورغم الخلافات الواضحة في مواقف الدول الثلاث، أكد الرؤساء على استمرار مسار "أستانة"، واتفقوا على عقد قمة مقبلة في تركيا، وكذلك على أهمية المضي في تشكيل اللجنة الدستورية، وعودة اللاجئين السوريين، وكرروا تأكيدهم على وحدة وسلامة الأراضي السورية وسيادتها.

تزامن المؤتمران وحديثهما عن الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، وارتباط الازمة السورية، كواحدة من الأزمات المشتعلة والمتداخلة في المنطقة، وحلقة أساسية من حلقات التمدد الإيراني، إلا أنها تشكل أيضاً نموذجاً من صورة النظام العسكري العربي المتهالك، الذي قضى على أحلام وتطلعات الشعوب العربية الطامحة للتغيير الديمقراطي والتحرر من التخلف والرجعية، والذي يحاول المؤتمرون في سوتشي ووارسو تعويمه بشكل أو بآخر.

واذا كان المؤتمران يتغاضيان عن الأسباب الحقيقية للصراع في المنطقة، وزعزعة الاستقرار منذ اغتصاب ارض فلسطين عام 1948، وقيام كيان عنصري إسرائيلي، على ارضها وتهجير الفلسطينيين ورفض إعطائهم الحق في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس، وتجاوز هذه الأسباب التاريخية، والمفصلية والتي قدم فيها العرب الكثير من التضحيات والتنازلات وقبلوا بمبادرة السلام العربية (مبادرة الملك عبدالله الأرض مقابل السلام)، وشاركوا قبل ذلك في مؤتمر مدريد للسلام، والذي كان مخصصاَ لحل الصراع العربي – الإسرائيلي، والفلسطيني – الإسرائيلي، فإن تجاوز هذه الحقائق وتوجيه الصراع على أنه إيراني - عربي، ومحاولة أخذ العرب الى تطبيع أمر واقع أمني مع إسرائيل، لن يحقق الاستقرار والامن للمنطقة.

إلا أن بروز الموقف السعودي الرافض للتطبيع مع إسرائيل قبل تحقيق السلام العادل، على أساس حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والتمسك بمبادرة السلام العربي، سيما وان مؤتمر وارسو قد تطرق في جانب منه إلى الصراع العربي الإسرائيلي، ومشروع ترامب للسلام (صفقة القرن)، يخلط الأوراق مجدداً ويضع نتائج مؤتمر وارسو أمام تحدي الفصل في الملفات، وعدم تجاوز القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

وان الحشد الدولي خلف الولايات المتحدة الأميركية في مواجهتها مع ايران، لن يعطي لإسرائيل تفويضاً باستباحة القضية الفلسطينية كما يعتقد البعض، رغم اختلال التوازن الإقليمي العسكري بين دول "الممانعة" الداعمة للقضية الفلسطينية كما تدعي وبين إسرائيل، فإن التوازن القانوني والسياسي بين الحق الفلسطيني والعدوان الإسرائيلي، يرتكز على قوة القانون والحق وليس قوة القوة، وهذا ما ينسحب أيضاًعلى الأزمة السورية فإن الحل السياسي على قاعدة مؤتمر جنيف والقرارات الدولية المرتبطة بها، تبقى المعيار الأساس لخروج سوريا من أزمتها بعيداً من مقررات أستانة والدول الراعية لاتفاقاتها، مهما اختلت او تبدلت موازين القوى العسكرية.

ما خلص اليه مؤتمر وارسو  يتلخص في ما قاله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأنه "دعوة إلى اتفاقية عالمية لمواجهة تهديدات إيران"، وهذه الاتفاقية العالمية تحتاج إليها الولايات المتحدة الأميركية ليس للضغط على ايران سياسياً واقتصادياً فحسب، بل هي تمهيد لتشكيل قوة عسكرية دولية من خارج مجلس الأمن الدولي، وتهديد إيران بعمل عسكري قد تضطر إلى تنفيذه، على غرار التحالف الدولي الذي شكل حاضنة دولية للحرب على العراق، والذي ستعارضه روسيا في مجلس الأمن وتتغاضى عنه ميدانياً.