Advertise here

لبنان والأوكسجين الخليجي!

26 تموز 2020 16:41:18

بالأمس، وخلال تواجدي في إحدى قرى الاصطياف الفارغة، دخلت إلى مكتبةٍ في إحدى ساحات البلدة للإطلاع على ما تحتويه من كتب. صادفتُ هناك رجلاً ثمانينياً من الأشقّاء العرب الخليجيين يتحادث مع صاحب تلك المكتبة المظلمة جرّاء انقطاع التيّار الكهربائي، وكان محور حديثهما هو، هل لبنان اليوم أجمل، أم ماضيه هو الأفضل، منتقداً ما وصل إليه حال لبنان. 

فجأةً، تلقى الشقيق الثمانيني اتّصالاً من أحد أصدقائه، وأجابه أنه متواجدٌ في لبنان هذا البلد الجميل. وقد لفتتني إجابته، وهو الذي كان منذ أقل من دقيقة ينتقد وضعية لبنان الحالية، وهو ما أعاد إلى ذهني مقدار المحبة التي يكنّها الأشقاء العرب والخليجيين، وخاصةً لبلدي المنكوب. 

لقد شكّلت السياحة إحدى أسس الاقتصاد اللبناني منذ خمسينيات القرن الماضي. ومحور السياحة يتمحور حول السوّاح القادمين من دول الخليج العربي. وقد لعبت الطفرة النفطية دوراً بارزاً في تعزيز حركة الاصطياف في قرى وبلدات لبنان، ليستفيد هذا الأخير من ازدياد السيّاح في إنماء عجلة اقتصاده، ناهيك عن الرساميل القادمةد للاستثمار في قطاعه المصرفي، فضلاً عن النمو المتزايد للقطاع العقاري.

ورغم الأزمات التي عصفت بلبنان من أحداث العام 1958، إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة، إلى الحرب الأهلية، كان الخليجيون السباقّين إلى مدّ يد المساعدة، إن على المستوى الرسمي أو على المستوى الفردي، ليكونوا أول من يعود إلى ربوع لبنان، ويساهموا في انتشاله من أزماته، وذلك  إظهاراً لحجم التقدير، والحب للشقيق الصغير.

بعد انتهاء الحرب الأهلية مع توقيع اتفاق الطائف، كان للمساهمة الخليجية الدور الحاسم في إعادة إعمار لبنان، فبلغت الاستثمارات، والهبات، والمساعدات الخليجية رقماً قياسياً. كما كان للمساهمة الفردية لرعايا دول الخليج العربي دوراً لافتاً أيضاً، والذي تمثّل بترميم المنازل الخاصة بهم. ومَن ينسى التزاحم في وسط بيروت، العائد إلى الحياة بعد إعادة إعماره، والتواجد الخليجي بين مطاعم ومحلات بيروت.

لبنان اليوم مختلفٌ عن السابق. لبنان اليوم لا يشبه ماضيه الجميل. لبنان اليوم قُراه خالية ممن اعتادت على وجودهم في ساحاتها ومقاهيها. 

عروس المصائف ترمّلت باكراً. جارة الوادي حزينة، وغيرها الكثير الكثير من البلدات اللبنانية بمنازلها الخالية. أمّا بيروت، فحدِّث ولا حرج: لا كهرباء، ولا ماء، ولا هواء.

يقول كمال جنبلاط في كتابه: "حقيقة الثورة اللبنانية" ما حرفيّته: "...وعيشُ لبنان اليوم – بالرغم من تنكُّر بعض المضلّلين والجَهَلة من أبنائه – بفضل تدفّق أموال الدول العربية، والخدمات التي يؤديها لبنان لمواطنِي هذه الدول ...". وكما قال نقيب الصحافة الراحل، محمد البعلبكي: "إن العلاقات اللبنانية – السعودية ارتكزت على قول الملك المؤسّس بشكلٍ صريحٍ وعلني لأبنائه: لبنان وطنكم الثاني". 

مؤخّراً، اختلفت السياسة اللبنانية مع إرثها المعتاد المتمثّل بإقامة أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب، والخليجيين خاصةً، مما أوجد حالةً من الانكفاء الخليجي عن التواجد في بلاد الأرز، وعن معالجة مشاكله.

لبنان في غرفة الإنعاش، وهو بحاجةٍ إلى الأوكسِجين، والأوكسِجين المطلوب هو عربي خليجي. 
 

*محام بالإستئناف– ماجستير في التاريخ

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".