Advertise here

"سلطة السدود" تمعن في الجشع.. وبدائل تأمين المياه لبيروت وضواحيها موجودة

24 تموز 2020 10:12:00 - آخر تحديث: 24 تموز 2020 11:02:51

تتحدى "سلطة السدود" إرادة الناس والأهالي الذين وقفوا طيلة الأشهر سداً منيعاً أمام جشع المتعهدين والسماسرة، وتستمر في نهجها التدميري لتقضي على مرج بسري الأخضر، وتبني مكانه سداً عالي الكلفة غير مضمون النتائج، وقد يشكل خطراً على أرض المرج والأراضي المحيطة، كونه واقعاً فوق فالق روم مباشرة، وهي منطقة نشطة زلزالياً حسب ما أثبتت الدراسات.

وبعد أن تأخرت الحكومة عن مهلة التنفيذ المحددة لمشروع سد بسري، التي إنتهت في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، عدّها أهالي المنطقة، والمواطنين بشكل عام، فرصة يمكن للحكومة إقتناصها للتغاضي عن المشروع والإستفادة من الأموال المرصودة له، عبر البنك الدولي، من أجل إنفاقها على أولويات إنسانية يفتقدها المواطن، أكان في القطاع الطبي أو في غيره من القطاعات التي ترزح تحت خط المعاناة وتحتاج جرعة اوكسيجين. لكن بال المعنيين منشغل بعقد الصفقات وملء الجيوب، اذ بعد إنتهاء المهلة المحددة من أجل البدء بالتنفيذ، وبالتالي عدم الإستفادة من أموال البنك الدولي، طلبت الحكومة رسميا من البنك الدولي تمديد المهلة ثلاثة أشهر، لعلها تستطيع قمع الأصوات المناهضة، ومعاودة العمل، ضاربة عرض الحائط صرخات الناس والبلديات، والدراسات التي تكشف خطورة إنشاء سدٍ في المنطقة المذكورة. 

في حديث له مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية، أوضح عضو كتلة اللقاء الديمقراطي، رئيس لجنة البيئة النيابية، النائب مروان حمادة حقيقة موقف البنك الدولي مما يجري لجهة طلب تمديد مهلة العمل، والرفض الشعبي للمشروع، بعد إتصال مباشر أجراه مع المدير التنفيذي للبنك د. ساروج كومار جاه الذي أعلن بدوره "عدم أخذ الحكومة بالملاحظات التقنية والفنية التي وضعها البنك على المشروع، كما أن الإنتفاضة الشعبية التي حصلت، آلت إلى تعليق صرف الأموال على المشروع، باستثناء بعض الأمور الإدارية والقضائية التي لا يمكن تعليقها".

وعن تمديد المهلة، كشف حمادة عن "موافقة البنك على إعطاء الحكومة فترة ما بين 4 إلى 6 اسابيع من أجل إعادة درس الوقع البيئي للمشروع والإقتناع مجددا بضرورته، على ان لا تحاول السلطة قمع الإرادة الشعبية بأي شكل من الأشكال، وإلّا تعطّلت العملية، وبحال فشل الإقناع، فيمكن رصد الأموال لمشاريع إجتماعية ملحة".

إلّا أن حمادة أشار إلى مخالفة دستورية واضحة إرتكبتها الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، "بحيث أنها لم تسجّل او ترسل اقتراحات القوانين المرسلة من مجلس النواب إلى الوزارات المعنية، وهما اقتراحان، الأول مقدم من النائب بولا يعقوبيان يقضي بوقف الأعمال، والثاني مقدم من كتلة اللقاء الديمقراطي يرمي إلى تحويل المرج إلى محمية طبيعية، وبالتالي إستفادة الدولة من الأراضي التي استملكتها سابقا قبل تعليق الصرف".

وشدد حمادة على "ضرورة وأحقية أهل بيروت في الحصول على المياه، لكن الأهم جر المياه الصافية النقية لهم، لا ملوثة ومسرطنة كتلك التي يمدها بهم المشروع من نهر الليطاني الذي يحتاج إلى سنوات من العمل لتأهيل مياهه"، لافتا إلى "محاولات حثيثة من الحزب التقدمي الإشتراكي لتأمين مصادر بديلة، على أن تكون قائمة على أسس بيئية".

وختم حمادة طارحًا علامات إستفهام مثيرة تحوم حول المشروع، "لجهة قرب المتعهد من التيار الوطني الحر، وإصرار الحكومة ومحاولاتها فرض السد، بغض النظر عن رأي البلديات المنتخبة من الأهالي، بهدف خدمة المتعهد المذكور".

وفي السياق، أكدت مصادر "الأنباء" دعوة البنك الدولي الواضحة لوجوب فتح حوار شفاف مع جميع المعنيين، وهو في صدد تقييم المشروع، كما أنه يبدي إستعداده للعمل مع الحكومة لتغيير وجهة الأموال والإستفادة منها في حاجيات الناس الأساسية.

أما في ما خص وجود بدائل عن السد لتأمين المياه لأهالي بيروت والضاحية الجنوبية، فقد أوضح الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي في حديث مع "الأنباء" ان "مصادر المياه في لبنان كثيرة وهي جوفية، وتتمتع سلسة جبال لبنان الغربية، من جبل تنورين إلى كسروان، بمخازن جوفية ضخمة تحتوي على كميات كبيرة من المياه، كما أن عددا منها محفور لكنه غير مستفاد منه حتى اليوم، وتحيط هذه الآبار بالعاصمة بيروت، فهي تقع في منطقة وادي شحرور، كفرشيما وجسر القاضي – الدامور، وتستطيع مد العاصمة وضاحيتها بكميات كافية ووفيرة، فإذا لا حاجة للسد".

ومن هذا المنطلق، يدعّم زعاطيطي فكرته بأمثلة ذاكرا أن "منطقة وادي جيلو الجنوبية و90 قرية محيطها يتغذون من الآبار والمياه الجوفية، وكذلك الأمر مدن صيدا والنبطية ومرجعيون".

كما أن زعاطيطي يشير إلى "ما نسبته 40% من مياه العاصمة تذهب هدرا بسبب أعطال شبكة التوزيع في بيروت والتسريب الحاصل في أنابيب المياه، ومن الأجدى اليوم، والأوفر، إصلاح هذه البنى التحتية لضمان وصول المياه بشكل كامل، قبل البحث أن مصادر جديدة".

ختاما، من الجدير ذكره فشل سياسة السدود، التي تنتهجها وزارة الطاقة منذ عقد من الزمن، وما هو سد المسيلحة الجاف اليوم إلّا خير دليل. ومن الضروري الأخذ بالرأي المختص، الذي يؤكد غزارة المياه في الآبار الجوفية، وإمكانية الإستفادة منها لمد المناطق السكنية، بدل تدمير البيئة وهدر المال العام في ما لا جدوى فيه. كما لا بد من الإستفادة من فرصة إستقدام الأموال المرصودة لهذا المشروع، عبر التفاوض مع البنك الدولي بدل خسارة المبلغ، وضخها في القطاعات الإقتصادية، كما حصل في مشاريع سابقة، في سبيل محاولة إنقاذ الانهيار الإقتصادي الذي بات يهدد أمن المواطي الغذئي والصحي.