Advertise here

إبطال قانون آلية التعيينات ضربة إضافية للإصلاح

23 تموز 2020 20:11:00 - آخر تحديث: 24 أيلول 2020 14:27:53

عدد كبير من أهل الاختصاص وقادة الرأي لم يقتنعوا بقرار المجلس الدستوري الذي أبطل القانون رقم 7، المنشور في الجريدة الرسمية من دون توقيع رئيس الجمهورية بتاريخ 3/7/2020، والذي يتناول تنظيم آلية تعيينات موظفي الفئة الأولى في الدولة ومؤسساتها العامة، وهو قانون تنظيمي وليس قانوناً تأسيسياً، وقد جرت العادة أن لا تعطى القوانين التنظيمية مرتبة عالية يمكن من خلالها المس بالصلاحيات السيادية لمجلس الوزراء، او للوزراء بحد ذاتهم. وهؤلاء المهتمون لا يوافقون على كون القانون المطعون فيه يتعارض جوهرياً مع المواد 54 و65 و66 من الدستور كما أشار تعليل قرار المجلس الدستوري، وخصوصاً أن نص المادة 65 بالذات يُشير الى أن مجلس الوزراء يُعين الموظفين ويقيلهم وفقاً للقانون، أي أنه يراعي أحكام القوانين العادية بمناسبة مباشرته لهذه الصلاحية الدستورية.

وهناك قوانين مشابهة لقانون آلية التعيينات يُطبقها مجلس الوزراء، ومنها القانون 66 الذي يُنظم عمل الجامعة اللبنانية، بحيث يتم اختيار 3 مرشحين لمنصب العميد من الهيئات الأكاديمية، ويعين مجلس الوزراء واحداً منهم، ويشترك في رفع الأسماء رئيس الجامعة مع الوزير المختص، من دون أن يمس ذلك هيبة الوزير أو مكانة مجلس الوزراء كسلطة إجرائية. وقانون الموظفين العموميين رقم 122/1959 لا يحدد مهلة زمنية لموظفي الفئة الأولى – كما في الولايات المتحدة الأميركية التي تسمح للرئيس الجديد التعاقد مع إدارة جديدة – بل الموظف المعين برتبة مديرعام يبقى في موقعه طيلة المدة التي يسمح له عمره بالقيام بالمهام، باستثناء بعض الوظائف التي تشترط مدة زمنية محددة للولاية. وهذا يقودنا الى مخالفة رأي المجلس الدستوري الذي اقتبس مندرجات قرار المجلس الدستوري بتاريخ 29 أيلول 2001، والذي أشار الى أن تكليف لجنة ثلاثية لاقتراح أسماء المرشحين يمس بصلاحية الوزير، وهذا الوزير هو الذي يتحمل تبعات عمل الموظفين أمام المجلس النيابي، علماً أن تعديلات اتفاق الطائف أشارت الى سلطة مطلقة للوزير على الموظفين أياً كانوا، من خلال الطلب مع الإصرار تنفيذ أي قرار، حتى ولو كان مخالفاً للقانون. وهذه صلاحية سيادية للوزير لا يمكن تعطيلها مهما كانت آلية التعيينات للموظفين.

أما من الناحية الشكلية؛ فقد أثار أداء المجلس الدستوري ريبة كبيرة من خلال الاستعجال غير المسبوق الذي حصل بمناسبة ممارسته لصلاحياته، مما حمل بعض المختصّين الى الشك بحصول العملية الإجرائية التي تنص عليها المادتان 34 و35 من قانون المجلس الدستوري رقم 250/1993، لأن هذه العملية تفرض اجتماع المجلس الدستوري بعد تقديم استدعاء الطعن ليقرر ما إذا كان سيعلق تنفيذ القانون، ثم يعين رئيس المجلس مقرراً ليقدم تقريراً عن الملف خلال 10 أيام، ومن بعده يوزع التقرير على أعضاء المجلس الدستوري ليطَّلعوا عليه خلال 5 ايام، ومن ثمَّ يُدعى المجلس للانعقاد لاتخاذ القرار النهائي، وليس بالضرورة أن تكون جلسة واحدة. فكل هذه العملية حصلت خلال 13 يوماً (من 9 تموز تاريخ تقديم الطعن الى 22 منه تاريخ صدرو القرار، وبينها 4 أيام عطلة رسمية) في أسرع قرار حصل بتاريخ المجلس. ورغم أن القرار لا يخالف القانون، ولكنه أثار تساؤلات: بحيث إن هذه المهلة الزمنية غير كافية للاطلاع على كل حيثيات القانون المطعون به، ولا على تقرير االمُقرِر إذا كان موجوداً.

من المؤكد وفقاً للضليعين بالقانون الدستوري وبالمجريات السياسية المرافقة؛ أن تدخلاً مؤثراً حصل لدفع المجلس الى الإسراع باتخاذ القرار، وربما الى اتخاذ هذا القرار بالذات. ويتابع هؤلاء: لو كان مُقدم الطعن جهة أخرى غير الرئيس، لربما لم يكُن حصل ما حصل، فغالباً ما تأخذ عملية البت بمراجعة الطعون في المجلس الدستوري شهوراً عدة.

ومن المآخذ الدامغة على قرار الإبطال الذي اتخذه المجلس الدستوري بتاريخ 22 تموز 2020؛ أن القانون رقم 7 صدر بموافقة أكثر من ثلثي أعضاء مجلس النواب، وبإجماع الكتل ما عدا كتلة التيار الوطني الحر، وبالتالي فقد كان على المجلس الدستوري برأي فقهاء بالدستور، مراعاة هذا المسألة أدبياً، لأن هذه الأغلبية النيابية يمكن لها أن تُعدل الدستور بذاته، كما أن الفقرة التي تحدثت عن "صلاحية اللجنة الثلاثية " والتي ذكرها قرار المجلس الدستوري، تُشكّل سابقة لناحية حرمان المُشرِّع من التقرير في شؤون التفويض الإداري، وهو ما لا يحق للمجلس الدستوري التدخل بشأنه، لكون مجلس النواب سيد نفسه، وليس للمجلس الدستوري صلاحية تحديد أي من مهامه.

أما في السياسة؛ فقد شكَّل قرار المجلس الدستوري ضربة إضافية لعملية الإصلاح المُنتظرة، أضيف الى ضربات سابقة أحدثتها عملية رد التشكيلات القضائية التي حصلت على إجماع وتأكيد مجلس القضاء الأعلى، في وقت تحتاج البلاد الى الشروع في العملية الإصلاحية لإنقاذها من الإنهيار التي تعيش فيه. وسيكون لهذا المنحى آثار اقتصادية واسعة، بحيث إنه ساهم في نشر المقاربات التوتاليتارية التي يتحدث عنها الجميع، وآخرها كان بعض القرارت الصادرة عن قضاة، والتي لم تراعِ الأصول الإجرائية ولا المصلحة الوطنية العليا للدولة.

من المؤكد أن المنحى السياسي العام يحتاج الى شفافية والى احترام قواعد القانون، والواجب الوطني يفرض التخلي عن سياسة التشفي وردة الفعل، والتطلُّع الى المستقبل عن طريق احترام إرادة اللبنانيين وقواهم الفاعلة الحية، وفك أسر الدولة، وتحييد لبنان عن الصراعات التي لا تعنيه، واحترام مصلحة الشعب الذي يئنُّ تحت هول الفقر والعوز.

* أستاذ في العلوم السياسية والقانون الدولي العام