Advertise here

فنزويلا "اللبنانية"

15 شباط 2019 13:54:04

في النصف الأول من القرن الماضي إكتشف اللبنانيون، وبعدهم السوريون، "الجنة" الأميركية في الشطر الجنوبي من تلك القارة. وكانت تلك "الجنة" فنزويلا، التي وُلد فيها القائد التاريخي "سيمون بوليفار" الذي، على إسمه، تأسست في ما بعد "جمهورية فنزويلا البوليفارية" على الساحل الشمالي لاميركا الجنوبية اللاتينية، وبعدها جمهورية كولومبيا، وجمهورية بوليفيا.

وإلى ذلك المثلث بدأت الهجرة اللبنانية، وبعدها الهجرة السورية، وكانت فنزويلا، وما تزال، حاضنة مئات الالوف من اللبنانيين والسوريين، بل كانت العنوان الأشهر لقاصدي الدول الاسهل للإقامة والعمل في مختلف المهن، برساميل زهيدة، وبحرف بسيطة، ولا يطول الزمن بالرحالة الآتين من الشرق العربي حتى يبرعوا بمختلف المهن اليدوية، ثم يتحولون إلى مواطنين وعائلات متوطنة برساميل من التعب، والصبر، والنجاح، في التجارة، والصناعة، والعلوم، والثقافة، واحتلال المراكز والمناصب المميزة في المهن الحرة، كما في دوائر الدولة، والقوات المسلحة، وصولاً إلى مراتب عليا، مدنية وعسكرية، وعلمية.

وفي حين كان لبنانيون مقيمون في الوطن يتشوقون لرؤية مغتربين من أهلهم في مختلف أقطار العالم حيث إستقروا، ونجحوا، أو فشلوا. كان معظم المغتربين في فنزويلا، وكولومبيا، وبوليفيا، وسواها من الجناح الأميركي الجنوبي، على إتصال شبه دائم مع الأهل في الوطن، كما هو الحال مع المغتربين في القارة الإفريقية، ومن تلك المدن، والاصقاع، وردت رساميل إلى الوطن الأم فنشأت مؤسسات، وتعالت عمارات سكنية وتجارية، وعمت النعمة عشرات آلاف العائلات المقيمة والمغتربة، وحتى سنوات قليلة مضت كانت فنزويلا مميزة بدمغتها العمرانية والتجارية، في لبنان، لكنها حالياً مصدر قلق وأسى على ما يجري هناك من قتل، ونهب، وفوضى، وقلق، وخوف، وجوع، ومرض، وحزن، وعذاب، تحت وطأة حكم عسكري مستبد جعل السلطة عدواً للشعب في بلاد سيمون بوليفار، رمز النبل، والعدل، والبطولة في الدفاع عن الاستقلال، والحرية، والكرامة الإنسانية.

من هذه المحنة وُلدت قيادة شعبية دستورية شابة، تمثلت بالرئيس المنتخب للبرلمان الفنزويلي (خوان غوايدو)، هو مهندس لم يبلغ بعد العقد الرابع بالعمر، وهو يحظى بتأييد ودعم الأغلبية الساحقة في البرلمان الذي إنتخبه في مطلع شهر كانون الثاني الماضي، ومن منصة البرلمان إلى ساحة الشعب حيث أعلن ثورة مدنية سلمية على الرئيس مادورو ونظامه العسكري وأتباعه من عصابات القتل والنهب والسطو على الأملاك العامة والخاصة حيث لا يأمن المواطن الفنزويلي على بيته ومقتنياته البسيطة حيث البطالة والفقر، والأمراض، ولا أدوية، ولا إسعاف. فيما الحدود البرية مع كولومبيا "محروسة" بالعصابات المسلحة التي تستولي على أي مساعدة غذائية تأتي محمولة على السيارات، أو على الاكتاف والضهور، وقد بلغ عدد النازحين فراراً من الموت والجوع والمرض أكثر من مليونين ونصف مليون فينيزويلي.

أمام هذا الواقع يجد الرئيس الشرعي خوان غوايدو مضطراً إلى الطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب التدخل للمساعدة في إنقاذ الشعب الفنزويلي من الموت والدمار على أيدي مادورو وعصاباته المسلحة، وقد تجاوب الرئيس ترامب مع الطلب فقدمت واشنطن مشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو إلى دعم رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية لاجراء إنتخابات نيابية، حرة في مناخ آمن، وهذا يعني طلب توفير الامن والسلامة العامة للشعب الفنزويلي كي ينتخب سلطة وطنية جديدة تنقذه من محنته.

في أواخر السبعينات من القرن الماضي كنت في عداد وفد صحافي مدعواً لتغطية مؤتمر "أوبك" عقد في العاصمة الفينيزويلية كاراكاس، ومع نهاية ذلك المؤتمر دعا الرئيس الفنزويلي في ذلك الزمن كارلوس اندريه بيريس عدداً من الصحافيين الذين يغطون جلسات المؤتمر من مختلف دول العالم إلى "ترويقة" في قصر الرئاسة (ميرا فلوريس) وكانت فنزويلا في ذلك الزمن إحدى أجمل وأغنى عواصم أميركا اللاتينية بالرخام، والامان، والازدهار.

وحين قدمني المسؤول الإعلامي في القصر إلى الرئيس بيريس، مشدداً على أني لبناني، رحب بي بحرارة، وقال لي:

"أرجو أن تكتب في صحيفتك أن اللبنانيين في فنزويلا يعيشون، ويعملون، ويبدعون في كل المهن والحرف، وهم على درجة عالية من الإحترام والامانة.

وأضاف: ونحن نفخر بكونهم جزءاً من الشعب الفنزولانو...