Advertise here

طبقة فاسدة أم بيئة حاضنة للفساد

23 تموز 2020 13:17:46

يكثر الحديث عن الفساد هذه الأيام بين الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الإجتماعي. ومن أسهل الطرق التي يعتمدها المواطن اللبناني هي توجيه أصابع الاتّهام من دون أي إثباتات دامغة. وهذه الظاهرة رافقت ثقافة اللبنانيين من أجل تبرير الأزمات التي كانت تعترض البلاد، ولعدم الغوص في الأسباب الحقيقية. وطبعاً الاتّهام يوجّه دائماً إلى الطبقة السياسية، كونها فاسدةٌ في الأساس، والتي شملها شعار المجتمع المدني "كلن يعني كلن" دون أن يكون هنالك نسبية في تحميل المسؤولية وفقاً لتفاوت الأدوار والصلاحيات فيما بينها، أو حتى انتظار كلمة الفصل لدى القضاء المختص.

ولكن أين تقع مسؤولية الشعب في هذا المضمار. أوَليسَ الشعب هو البيئة الحاضنة للفساد، عن دراية أو عن غير معرفة، بدءاً بإيصال ممثليه إلى الندوة النيابية، إذ أن الإقتراع لا ينطلق من تقييم المرشح بحد ذاته من قِبل الناخب، بل بالخط الذي يمثل الانتماء المذهبي للائحة المرشحين، وبالتالي لا تقييم للسيرة الذاتية للمرشح بل للشعارات، والتي هي بمضمونها مذهبية. أما أولئك الذين لا يمارسون حقهم بالتصويت إنطلاقاً من اعتراضاتهم، فهم شهود زور على إيصال الفاسدين إلى المجلس النيابي نتيجة حجب أصواتهم عن مَن هو أفضل. أما الحديث عن المحادل الانتخابية فيتحمل فساد عملها الشعب اللبناني لأنه هو مَن يتحرك وفق انتمائه الغرائزي المذهبي، وليس وفق برامج المرشحين وسيَرِهم الذاتية، وطبعاً يلعب القانون الانتخابي الفاسد  دوراً سلبياً إضافياً في هذا المجال.

أما على صعيد إنتماء المواطن إلى الدولة فحدّث ولا حرج، حيث يلجأ المواطن إلى رشوة موظفي الدولة من أجل خفض مدفوعاته المستحقة للدولة، إن كان على صعيد مهنته والضرائب المستحقة، أو على صعيد رسوم الأملاك غير المدفوعة، وصولاً إلى كل الغرامات التي يحصل عليها المواطن، فإمّا يبرطل الموظّف المسؤول، أو يلجأ إلى من يمثّله سياسياً للتدخل، وتخفيض مدفوعاته. فكم من سياسي، أو صاحب شأن عام، يستقبل المراجعات لمنافع خاصة، ويحرك واسطاته مع معارفه. أليس هذا فساداً؟

كلمة "تضبيط" التي يستعملها اللبناني في كافة دوائر الدولة، و"ولو ضبط المعاملة والإكرامية موجودة "، أليست فساداً، ومجموع المبالغ التي تحجب عن خزينة الدولة على صعيد البلاد، ألا يشكل ذلك هدراً يفوق تهريب أموال السياسيين؟ أمّا إدخال البضائع والسلع الاستهلاكية إلى الأسواق اللبنانية بفواتير مزوّرة، أو من خلال التهريب، ألا يشكّل هدراً إضافياً لمدخول المال العام؟

أمّا عدم دفع فواتير الكهرباء في مناطق عديدة، من خلال التلاعب بخطوط شبكات الكهرباء، أو عدم تركيب عدّادات، أليس هذا سرقة وفساداً؟ وهذا الهدر ألا يشكّل الجزء الأكبر للعجز في ميزانية كهرباء لبنان؟ فكم من أبنية ومنشآت تستهلك كهرباء دون عدّادات؟ فهل الطبقة السياسية التي تفاقم الفساد، أم المواطن بحد ذاته؟ وهذا بالتأكيد ليس دفاعاً عن طبقة سياسية فاسدة، بل للإشارة إلى مسؤولية المواطن في الوصول إلى الفساد.

 لو لم تكن الساحة اللبنانية بكل مكوناتها بيئة حاضنة للفساد، لما ظهرت طبقة أغنياء الحرب، أو طبقة أغنياء ما بعد الحرب التي عقدت صفقات وسمسرات في ظل حكومات النفاق الوطني، وليس الوفاق الوطني. 

إن التلاعب بالأسعار، مثل التلاعب بالفواتير، مثل التهرّب من الرسوم والضرائب كلها تصب في خانة الفساد والمواطن اللبناني بغالبيته مشارك أساسي في هذا المضمار، وهو يتغاضى عن محاسبة السياسيين الفاسدين لأنهم يغطون له فساده اليومي في مجريات حياته، لأنه يبحث دائماً عن سند له في وطن لا توجد فيه دولة تُحَاسِب وتُحَاسَب.

لا بد لثقافة جديدة أن تسود على البيئة اللبنانية، ثقافة مفهوم الدولة الحقيقي، ومفهوم العمل الحزبي السليم، ومفهوم العمل السياسي الأخلاقي، وهذا لن يتحقق على الإطلاق إذا بقي المواطن اللبناني يلجأ إلى مذهبه، ومن يمثّله في دينه، عوض اللجوء إلى دولة تطمئن المواطن، ويعطيها ثقته بالمقابل.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية