Advertise here

سد النهضة يشكّل خطراً وجودياً على أمن مصر الغذائي والاستراتيجي

20 تموز 2020 13:25:24

كتب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي على حسابه في "تويتر" قبل أيام، "إن مصر تتعرّض اليوم لخطرٍ وجوديٍ مصيريٍ نتيجة سد النهضة الذي بناه الأحباش، والذين يرفضون احترام اتفاقيات وادي النيل، وإلى خطرٍ عسكري أمني على حدودها الغربية، نتيجة توسعٍ لدولة أطلسية تساندها. يبدو [أن] أميركا على أشلاء ليبيا وثرواتها. كم محزن وخطير مشهد الانقسام العربي. حما الله مصر العربية".

يوم الأحد 19 تموز، أعلنت وزارة الري والموارد المائية السودانية خروج أربع محطّات نيلية عن الخدمة، جراء انحسارٍ مفاجئ للنيلين الأبيض والأزرق، ونهر النيل، حيث سيؤدي ذلك إلى شحٍ في مياه الأحياء. ويأتي ذلك بعد أيامٍ قليلةٍ من إصدار أثيوبيا بيانات متناقضة عن مباشرتها ملء خزّان سد النهضة، وعقب إعلان رئيس وزرائها، آبي أحمد، عن عزم بلاده ملء هذا الخزّان بغضّ النظر عن اتفاقها مع مصر والسودان. وكانت وسائل الإعلام المحلية والعالمية تناقلت معلومات وصور ملتقطة بالأقمار الصناعية، والتي تشير إلى بدء إثيوبيا ملء خزّان سد النهضة بالمياه، قبل أن تتراجع وتنفي ذلك على لسان وزير المياه والري، سيليشي بيكيلي، الذي قال، "إن الأمطار الموسمية الغزيرة تسببت بارتفاع منسوب المياه خلف السد". وأضاف،"هناك الكثير من المياه تمر، وهناك أمطار غزيرة تتدفق بما يتجاوز قدرة مجرى النهر، فاندفعت المياه نحو قنوات السد". وقال، "لم نغلق، ولم يُنجز شيء. هذا ما يحدث، ولا شيء أكثر من ذلك".

في إثيوبيا يُعتبر سد النهضة مشروعاً حيوياً، أمّا في مصر فيعتبر السد ذاته تهديداً للحياة، لأنه يعطي لإثيوبيا قدرة التحكم في تدفق المياه التي تعتمد عليها القاهرة في كل نواحي الحياة تقريباً. ويمثّل السد حجر الأساس الذي تبني عليه إثيوبيا طموحها في أن تصبح أكبر دولة مصدّرة للكهرباء في أفريقيا. لكنه، في الوقت ذاته، أجّج القلق في القاهرة من تراجع إمدادات المياه الشحيحة أصلاً في النيل، والتي يعتمد عليها أكثر من 100 مليون نسمة بشكلٍ شبه كامل.

وتقول إثيوبيا إن الكهرباء المتوقع توليدها من سد النهضة لها أهمية حيوية من أجل الدفع بمشاريع تنموية في البلد الفقير، البالغ عدد سكّانه أكثر من 100 مليون نسمة، لكنه في الوقت نفسه سوف يسبب الجفاف لمصر والسودان.

أمّا الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فيعتبر مياه النيل قضية وجودية لشعب مصر، ويرفض الإجراءات الأحادية في سد النهضة، في وقتٍ يعتبر فيه رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الذي يواجه تحدياتٍ سياسيةٍ داخلية، السد قضيةً قادرةً على جمع الشعوب الإثيوبية، حيث استثمر الناس في السد، وأسهموا في تمويله بـ أربعة مليارات دولار عبر سندات أغْرتهم الحكومة بشرائها.

وفيما لا تزال المفاوضات المتعثرة التي انطلقت منذ تسع سنوات، تحافظ على غلافٍ من الدبلوماسية الرصينة، فإن الخلافات على عددٍ من النقاط الجوهرية والمتعلقة بموعد ملء السد، وعدد السنوات التي يستغرقها، وكمية المياه التي سيخزّنها والتي سيمرّرها إلى دول المصب، تهدّد برفع درجة التعصّب الوطني، وانعدام الثقة بين الشعبين المصري والإثيوبي. وحذّر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال جلسة مناقشة موضوع السد في مجلس الأمن الدولي من أنه، "حال إقدامٍ أحاديّ الجانب على ملء وتشغيل السد دون توافقٍ يتضمن الاحتياطات الضرورية لحماية دول المصبّ، فسوف تتصاعد حدّة التوترات على نحو قد يخلق أزمات، ويشعل صراعاتٍ من شأنها زعزعة الاستقرار في منطقةٍ مضطربة بالأساس".
 
بدأت إثيوبيا عمليات بناء سد النهضة على نهر النيل الأزرق قُرب الحدود الإثيوبية- السودانية في 11 نيسان 2011، ومنذ ذلك الحين تتخوّف مصر من تأثيره على كميات المياه المتدفقة إليها، لا سيّما وأن النهر يُمثّل شريان الحياة بالنسبة لها. وقد أعربت القاهرة عن تخوّفها من خرق الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تعود إلى عام 1929، أي عندما أقرّت الحكومة البريطانية، "حق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل"، كما تمنح مصر حق النقض (فيتو) على أي مشروع يُقام على مجرى النيل، إضافةً إلى اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان حول تقاسم موارد النيل، على أن تأخذ مصر النصيب الأكبر، ومن دون إشارةٍ إلى أيّ من دول حوض النيل التسع الأخرى، بما فيها إثيوبيا، منبع النيل الأزرق، والذي يلتقي النيل الأبيض في العاصمة السودانية الخرطوم، ويضخ نحو 80 في المئة من مياه النهر. وترى إثيوبيا أنه من "الظلم التاريخي" أن لا تستطيع الانتفاع من هذا المورد الطبيعي.

الولايات المتحدة حاولت إقناع مصر وإثيوبيا بالتوصّل إلى اتفاق لكنها فشلت، كما فشل البنك الدولي في إقناع إثيوبيا بتوقيع اتفاقٍ مع مصر. ومنذ شباط الماضي يحاول الاتحاد الأفريقي التوصل إلى حل، لكن مفاوضات الأيام الأخيرة التي استمرت 11 يوماً أثبتت عكس ذلك.

إثيوبيا، من جهتها تقول إنها ترغب في التفاوض، وتتهم مصر بـ"التعنّت والإصرار على حقوق تاريخية ووضْعٍ راهن". لكن عضو اللجنة الفنّية لمفاوضات سد النهضة عن الجانب المصري، علاء الظواهري، حمّل أثيوبيا "مسؤولية تعثّر توقيع الاتفاق"، وقال في اتصالٍ مع "الأنباء"، "إن السبب الرئيسي في تعثّر توقيع اتفاقية شاملة بشأن سد النهضة ليس فنياً، ولكن له جانب سياسي"، موضحاً أن إثيوبيا أهدرت الفرص والمبادرات في مفاوضات واشنطن، والمبادرة السودانية، وأخيرا وساطة الاتحاد الإفريقي".

ورأى أن الجانب السياسي هو السبب الرئيسي في فشل كل الجولات السابقة وقال، "على الرغم من إعلان مصر المرونة والتفاوض من مبدأ حسن النوايا وطرح حلول، وكنا نرى تقارباً وتوافقا كبيراً، لكننا كنا نستيقظ على انسحابٍ إثيوبي غير مبرّر، ولا نجد تفسيراً فنياً له، مثلما حدث في مفاوضات واشنطن".

وأضاف، "كانت المفاوضات في واشنطن تسير بشكل جيّدٍ ومنظّم، والأرقام والإحصائيات الخاصة بتصريف المياه عادلة للدول الثلاث. ووافقت إثيوبيا على عدم النقاش عن الحصص. وكنا نستعد للتوقيع، لكن الجانب الإثيوبي لم يرغب في التوقيع. وأعتقد أن السبب في الانسحاب وقتها كان الانتخابات الإثيوبية، وهو جانب سياسيٍ ليس له علاقة بالنقاط الفنية حول السد". 
 
مصادر دبلوماسية مصرية فضّلت عدم الكشف عن نفسها قالت لـ "الأنباء"، "إن خطورة مشروع سد النهضة تكمُن في أنه سيمنح أديس أبابا صلاحية التحكّم في تدفّق مياه النيل الأزرق، في خطوةٍ من شأنها أن تُحدِث تحوّلاً في ميزان القِوى بالمنطقة". واتّهمت المصادر كلاً من إسرائيل وتركيا بتحريض إثيوبيا على المطالبة بنصيبٍ أكبر من حصّتها في المياه، ودفعها لمعاداة مصر، والسير في مشروع تخزين المياه، وبيعها عبر مشروعات السدود. وكشفت المصادر أنه، "في سبعينيات القرن الماضي طالبت إسرائيل مصر مدّها بنصيبٍ من مياه النيل عن طريق سيناء، وإلّا فإنها ستقوم بإحداث متاعب لها في منابع النيل في إثيوبيا ومنطقة البحيرات، لكن مصر رفضت ذلك". أضافت المصادر، "ما يجري اليوم ضمن مشروع سد النهضة، هو الاختبار الإسرائيلي الأول للسيطرة على النيل، فإذا تمّ ترك السد فسوف يعقبه تدشين 3 سدود أخرى، ليتمّ من خلالها تحقيق مشروع بيع المياه لمصر وغيرها من الدول الراغبة، وإطلاق بورصة مياه النيل لنحو 200 مليار متر مكعب يتم تخزينها خلف السدود الأربعة".
 
وتضيف المصادر أنه في الوقت الذي يشتد فيه الحصار الأمني والعسكري على مصر من خلال التدخّل التركي في ليبيا، وحيث تربط تركيا بأثيوبيا علاقة تجارية واستثمارية ناشطة، والتي تمثلت في الزيارة المفاجِئة التي قام بها المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبي، مولاتو تيشومي فيرتو، إلى أنقرة ولقاءه وزير الخارجية، مولود تشاوش أوغلو، تسعى إسرائيل إلى الاستفادة بقوة من أزمة سد النهضة لتعزيز نفوذها في أفريقيا، وذلك عبر توظيف المعرفة الإسرائيلية في مجالات إدارة المياه وتحليتها، والزراعة الصحراوية، وبحيث أطلقت تل أبيب مبادرة لـ "تقاسم تجربتها الواسعة في إدارة المياه" مع أديس أبابا، وذلك أثناء اجتماعٍ عقدته وزيرة الدولة الإثيوبية للشؤون الخارجية، هيروت زمين، مع نائبة المدير العام للشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الإسرائيلية آينات شيلين.
فإسرائيل تولي اهتماماً خاصاً بهذا الملف لأنه، "يُعتبر من أبرز القضايا الديناميكية الإقليمية المعقّدة التي تشكّل أبرز التحديات التي تواجه استقرار حكم ونظام السيسي في مصر". وقد أشارت تقارير إعلامية إلى وجود أنظمة دفاعية إسرائيلية لحماية سد النهضة على وقع تلويح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد علي، بأنه "لا قوة ستمنع بلاده من بناء سد النهضة". لكن السفارة الإسرائيلية في مصر نفت هذه الأنباء، ووصفتها بأنها مجرد شائعات.
 
شهدت مصر مؤخراً تغييراً جوهرياً في تركيز وجهة استراتيجيتها في تعاملها مع أزمات المنطقة، ومنها الصراع حول ملء سد النهضة، سيّما وأن الرئيس السيسي يشعر بخيبة أمل كبيرة من السياسة التصعيدية التي تتبعها إثيوبيا، وهذا قد يدفع مصر إلى القيام بعملٍ ما لتوجيه انتباه المجتمع الدولي نحو أزمتها الوجودية، وفرضها على جدول أعمال الرئيس الأمريكي المقبل. هذه الاستراتيجية سبق أن استخدمها الرئيس الراحل أنور السادات عام 1973، لكسر الجمود الدبلوماسي حول وضع اللّا- سلم واللّا- حرب مع إسرائيل.

هل يكون خيار الحرب مدخلاً لخروج مصر من أزمة سد النهضة؟