Advertise here

ماذا بعد جريمة صرف الموظفين من الجامعة الأميركية؟

19 تموز 2020 05:30:00

مآسٍ يومية تحل باللّبنانيين. كل يوم يطل يحمل إلينا هماً يُضاف إلى سلسلة طويلةٍ من الهموم التي تقطع الهواء عن شعبٍ لم يعد يحتمل وعوداً كاذبة تغدقها عليه سلطةٌ متحكمةٌ، وأدعياء إصلاح يملأون الشاشات والساحات.

أن تتخلّى مؤسّسة عريقة، كمستشفى الجامعة الأميركية، عن مئات من موظفيها دفعةً واحدة، متحجّجة بـ"أسوأ الأزمات"، لهي مجزرةٌ ارتُكبت بدمٍ باردٍ لن يخفّف من وطأتها كلامٌ عن خسائر واقعة منذ فترةٍ غير قصيرة. كثيرةٌ هي الأقاويل، وربما الوقائع عن سوء إدارة طالَ هذه المؤسّسة الرائدة في الاستشفاء أيام كان لبنان مستشفى الشرق. كما أن الهدر وسوء الإدارة مرتبطان، ولو جزئياً ومهما حاول البعض إنكار الأمر، بالمعاشات الخيالية التي يتقاضاها كبار الرؤساء، والمدراء، والأمناء، والموظفين الأساسيّين في الجامعة الأميركية، والتي تصل إلى أكثر من 860 ألف دولار سنوياً لرئيسها، وجدولُ الرواتب منشورٌ منذ سنة 2016.

منذ زمنٍ بعيد، كان معدّل هذه الرواتب العالية، وغير المبرّرة على الإطلاق، يوازي رواتب عشرات من هؤلاء الموظفين الذين أفنوا عمرهم في الجامعة الأميركية، دون أن يشفع لهم هذا الواقع للحفاظ على عملهم. والأنكى أن بعض هؤلاء "الكبار" كانت لهم جولات "ثورية" عكستها وسائل الإعلام في بداية انتفاضة الشعب اللبناني على أوضاعٍ لم تعد تسمح للمواطنين بأدنى مقوّمات العيش الكريم.

لم يعد مقبولاً أن يدفع "الصغار" أثماناً لأخطاء يرتكبها "الكبار"، أكان ذلك في القطاع العام، أم في القطاع الخاص. لم يعد مقبولاً أن ينطق باسم آلام الشعب من لا يتحسّس معه، ومن يصرّ على الحفاظ على امتيازاته غير منقوصة، لكنه لا يتورّع عن إتحافنا بمطوّلات عن محاربة الفساد، وبناء الدولة العصرية.

هل يكتفي المصروفون من العمل بالأسى، والبكاء، والتخوّف من المستقبل الأسود القادم لا محالة؟ هل ستلتزم جحافل المصروفين في الأشهر القادمة، والقوى المجتمعية الحيّة بنفس المظاهر السلمية التي شهدناها أمام أبواب المركز الطبي للجامعة الأميركية؟ أيُّ عنفٍ كان يمكن أن يحصل، وحسناً أنه لم يحصل، لا يضاهي قساوة العنف الممارَس على مئات العائلات التي حُرمت من مصدر رزقٍ يقيها العوز.

إن الغضب الكامن في الصدور ضد من أوصلنا إلى الكارثة حقٌ مقدّس. لم يعد للكلمة المجرّدة من الفعل معنى أمام ما يحصل من مآسٍ. وإن الواجب البديهي يفرض أن نساهم من موقعنا السياسي، الملتزم بقضية الإنسان، في تحويل الحالة الرفضية العارمة إلى زخمٍ في الحركة السياسية والمطلبية يؤدي إلى الدخول في طريق الإنقاذ وصولاً الى تغييرٍ جذري في المنظومة الحاكمة.


*نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي