Advertise here

التبعية في مواجهة الحياد

18 تموز 2020 11:51:56

لم تشكل دعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى حياد لبنان طرحا جديدا، كما لا تعني فكرة الحياد خروجا عن الصراع العربي - الاسرائيلي. فقد مارس لبنان في الماضي نوعا من الحياد الايجابي عبر رسم سياسة مرتكزة على نسج علاقات صداقة مع دول الغرب والشرق في آن، لاسيما إبان عهد الرئيس فؤاد شهاب.
ولعل تجربة مصر ايام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خير شاهد على إمكانية تطبيق هذا المبدأ، إذا كان عبد الناصر أحد مؤسسي حركة دول عدم الإنحياز مع يوغسلافيا بقيادة الرئيس تيتو والهند في عهد نهرو، وكان في الوقت ذاته رأس حربة في الصراع العربي – الإسرائيلي.
قد يكون طرح البطريرك الراعي الذي أراد منه تحييد لبنان عن تأثيرات المحاور وإبعاده عن أن يكون ساحة لصراع الغير على أرضنا، أقرب الى تسجيل موقف تاريخي في مئوية إنشاء دولة لبنان الكبير، إذ لا بدّ أنه يدرك استحالة تطبيق هذا المبدأ في لجّة الانقسام السياسي العمودي، وارتباط البعض في لبنان بمحاور يصعب عليهم الانفكاك عنها، فضلا عن أن ثمة دولاً لا تزال تعتبر هذا البلد الصغير مكانا لتوجيه الرسائل في ما بينها.
إن رفض البعض لاقتراح البطريرك الماروني ربما لا علاقة له بالصراع مع اسرائيل بقدر ما له علاقة بحسابات أخرى. فقد أثبتت الأيام والتجارب أن مسألة حياد لبنان دونها عقبات، أولها تركيبة النظام الطائفي التي تدفع بالبعض الى تبعية خارجية يرى فيها ضمانة وجوده واستمراره، ويستمد منها قوة تساعده على أن يكون رقما صعبا في النظام السياسي.
في مئوية لبنان الكبير، لا بدّ من استخلاص العبر بأن النظام الطائفي والتركيبة الطائفية – المذهبية في لبنان هي سبب جوهري لبقائه في أتون الصراعات، وهي العائق الأساسي لتطوره وازدهاره، ومع بقاء هذه التبعية لا حياد ولا من يحيدون.