Advertise here

إحتدام روسي إيراني.. سوريا ساحة التباعد

18 تموز 2020 11:31:04

تتسع يوماً بعد يوم هوة التباعد والخلاف الإيراني – الروسي في سوريا لا سيّما في محافظتَي درعا ودير الزور اللتين تشكّلان نقاطاً استراتيجية للنظام الإيراني. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه تهديدات قيادة الحرس الثوري بالرد الانتقامي من إسرائيل وأميركا على التفجيرات التي هزّت مواقع عسكرية ونووية إيرانية، وأهمّها "مجمّع نطنز"، بدأت روسيا حملةً عسكرية وسياسية جديدة تستهدف تحجيم النفوذ الإيراني في تلك المنطقتين. فروسيا تدرك أن خارطة طريق الحل السياسي في سوريا تستلزم، بالضرورة، خَفْض دور إيران المُعرقِل، وشلّ قدرتها.

خطوة روسيا الجديدة بدأتها في دير الزور، وذلك بعد أن عزّزت تواجدها العسكري تمهيداً لتأمين انشقاق عددٍ كبير من عناصر الميليشيات الإيرانية والذين انضموا إلى الميليشيات الروسية، حيث ذكرت مصادر محلية في اتّصالٍ مع "الأنباء" أن، "عدداً من المتطوعين في ميليشيا الحرس الثوري الإيراني تركوا العمل في صفوفها، بسبب المعاملة السيّئة من قادة الميليشيا، وسوء الطعام ومياه الشرب، وتدنّي الرواتب، والتحقوا بصفوف القوات الروسية التي تقدّم مغريات مالية كبيرة لجذب هؤلاء المقاتلين من أجل نقلهم إلى ليبيا، على حدّ وصف المصادر، لافتاً إلى أن العشرات من عناصر هذه الميليشيات يتحضرون للانشقاق أيضاً".

وكانت القوات الروسية قد بدأت في الأسابيع الماضية بتعزيز وجودها العسكري بشكلٍ ملحوظٍ في المنطقة، حيث نقلت رتلين عسكريَّين كبيرين يقدّر كل رتلٍ ب 60 مدرعة وشاحنة، وقَدِما من محافظة الرقة إلى معسكر الطلائع في دير الزور.

 إلى ذلك سيطرت القوات الروسية على حقل الورد النفطي في ريف البوكمال شرقي دير الزور، بعد طرد عناصر الأمن العسكري الموالين لإيران من الحقل، وإدخال 20 عنصراً من القوات الروسية وبرفقتهم نحو 50 عنصراً من ميليشيا "لواء القدس" الفلسطينية المدعومة روسياً (مهمتها الحراسة والمراقبة) وهم عناصر سوريون مجملهم من ريف حلب ودير الزور، حيث قامت بتوزيع 15 آلية عسكرية، ورفع متاريس داخل الحقل.

ومن الخطوات التي اتّخذتها روسيا لتحجيم النفوذ الإيراني في مدينة دير الزور، وفق المصادر، "حملة اعتقالات طاولت شخصيات كانت تعمل لصالح إيران، وتنفّذ أعمالاً مختلفة لها، ومن بين هؤلاء رجال أعمال، ومروّجي المصالحات، ودعاة التشيُّع، وضبّاط في ميليشيات النظام".

أمّا في درعا وريفها، حيث تتكرر حالات الاغتيال والاختطاف نتيجة تردي الأوضاع الأمنية، تسعى موسكو مرة أخرى إلى فرض شخصياتٍ عسكرية جديدة مواليةٍ لها في المدينة وأريافها، على غرار تلك التي قادت معها "المصالحات"، وذلك بهدف الحد من النفوذ الإيراني في عموم المحافظة حيث نجحت ميليشيا حزب الله في بسط سيطرتها على المدينة وأريافها، وصولاً إلى حدود مدينتَي السويداء والقنيطرة، بالقرب من الحدود مع الأردن وإسرائيل، وأقامت فيها ما يشبه "نقاط مراقبة" لرصد تحركات مختلف التشكيلات العسكرية في تلك المناطق. وبالإضافة إلى ذلك عمدت إلى تجنيد الشبان في صفوفها مقابل الحصول على راتبٍ شهري لا يتجاوز 80 دولاراً أميركياً في الشهر، يحاول الجانب الروسي إعادة تشكيل قوات معارِضة في درعا لإحداث توازنٍ مع التواجد الإيراني، وذلك بالتعاون مع المستشارين الأميركيين في "قاعدة التنف"، وتأتي هذه المحاولة نتيجة الاستياء الشعبي الواسع من الهيمنة الإيرانية التي تعزّز انتشار الفوضى، والجريمة، وتهريب المخدرات، ما دفع الأهالي للخروج بتظاهراتٍ رافضةٍ للوجود الإيراني وداعيةٍ لإسقاط النظام، شأنها شأن التظاهرات التي خرجت في السويداء وغيرها من قرى حوران.

مصادر مقرّبة من لجان المصالحات كشفت لـ"الأنباء" أنّه، ومنذ "مصالحة 2018" التي شملت معظم أرياف درعا، قُتِل في ظروف غامضة معظم القادة المعارضون الذين ساهموا في تلك المصالحات، وهو ما سهّل تغلغل ميليشيا حزب الله في معظم المنطقة. وبحسب إحصائية لـ "تجمّع أحرار حوران"، فإن 415 عملية ومحاولة اغتيال وقعت جنوب سوريا منذ سريان اتّفاق التسوية، منها 277 حالة بحق مدنيين، و133 عملية استهدفت قادة وعناصر سابقين في المعارضة وكانوا قد انضمّوا إلى تشكيلاتٍ تابعة للنظام، و48 حالة بحق قادة وعناصر معارضة سابقين لم ينخرطوا في تشكيلات تابعة للنظام، و7 عمليات استهدفت عناصر سابقة في تنظيم (داعش).

وكانت آخر عمليات الاغتيال قد طاولت أحد أعضاء اللجنة المركزية للتفاوض مع الجانب الروسي كوكيلٍ عن أهالي منطقة "الجيدور" التي تضم عدة مدن وبلدات في الريف الشمالي والشمالي الغربي من درعا، ياسر الدنيفات الملقب بأبو بكر الحسن، والذي كان يشغل منصب المتحدّث باسم (جيش الثورة) أحد أكبر الفصائل المعارضة سابقاً العاملة في جنوب سوريا.

المصادر رأت أن سلسلة الاغتيالات والكمائن، وكذلك تفجير حافلة الفيلق الخامس، كلّها كانت مُخطّطة، وتهدف بشكلٍ واضحٍ إلى عرقلة استمرار عمليات التفاوض، حيث هناك أطراف لا تريد لحوران أن تتوحد كلمتها، ومن مصلحتها أن يبقى الوضع على ما هو عليه حتى تتمكّن من استمرار السيطرة على المنطقة، وتعزيز نفوذ ميليشياتها فيها، سيّما وأن منطقة الجنوب السوري تشكّل مساحة استراتيجية لإيران، ونقطة أساسية للمواجهة مع إسرائيل باعتبارها امتداداً للجبهة اللبنانية من رأس الناقورة حتى مزارع شبعا، وصولاً إلى الجولان.

أما روسيا، فتستعجلُ تسوية الأزمة السورية من أجل إطلاق مشاريع إعادة الإعمار، وتهيئة البيئة الاستثمارية أمام أطرافٍ دولية وخليجية لمساعدتها في انتشال سوريا من وضع الدولة الفاشلة، هذا إذا نجحت في إدارة الأزمة، وفي اختيار الأطراف التي تثقُ فيها لمشاركتها صناعة قرارات المستقبل.

محاولات روسيا كبح جماح النظام الإيراني في سوريا ليست بالأمر السهل في الوقت الذي وصل فيه المشروع الإيراني إلى نقطة الذروة، لا سيّما في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ الجمهورية الإسلامية التي تعاني من مجموعة أزمات اقتصادية، وصحيّة، واجتماعية، ومالية. فتكثيف الضغوط على طهران من أجل تحجيم نفوذها ونفوذ ميليشياتها وتمدّدها العسكري، بالتزامن مع الهجمات والتفجيرات الغامضة التي طاولت مواقع عسكرية حسّاسة، يضعها أمام مفترق التسوية، والحفاظ على شيء من الإنجازات مع بعض التراجع وتعويض الخسائر، أو العُزلة والمزيد من المصاعب والافتراق عن روسيا.

ومع احتمال استهداف ميليشيات إيران في سوريا ولبنان، سوف تزداد الضغوط ضد الوجود الإيراني في سوريا عسكرياً، وهي العارية من غطاءٍ دفاعي جوي من قِبل الطيران الإسرائيلي، أو سياسياً، كون طهران لا تمتلك شرعيةً، أو قبولاً دولياً لإبقاء الميليشيات الموالية لها في سوريا، أو حتى اقتصادياً في ظلّ استمرار العقوبات الأميركية ضدّها، وفي وقتٍ تتزايد فيه الاحتجاجات الداخلية التي تطالب بوقف التبذير على مشاريع خارجية لا تعود بالنفع على الشعب الإيراني. فهل سيخضع النظام الإيراني أمام كل هذه الضغوط والتحديات لمعادلة الأمر الواقع، ويقبل بأن تُصيغ روسيا قرارات نهايات المشهد السوري، ويرضى بشيء من المكتسبات حفاظاً على ماء الوجه؟ أم أنَّ النظام الإيراني، وقد قدَّم التضحيات الجسام، قرّر أن يبقى في سوريا، رغم ما سيواجهه من مخاطر، حتى لو استلزم ذلك تجرُّع السُم!؟