الرقص على حافة الهاوية والشعار المصلوب
13 تموز 2020
16:42
Article Content
غريبٌ ما يحصل في هذه البلاد، وعصيٌ على الأفهام ما يجري فيها، وكأن الناس لا تقرأ التاريخ لتأخذ العِبَر، ولتجنّب تكرار الأخطاء.
المسؤولون منشغلون. يحتفلون بتقاسم الغنائم والتباهي بالمناصب، بينما الشعب يقاسي الأمرَّين نتيجة تقاعسهم. يرفعون أقداح النصر، والشعب منشغلٌ في تجرّع كأس مرارة الأوضاع، وآثار الأزمة الناتجة بمعظمها عن إهمالهم.
المتسلّمون اليوم زمام الأمور تركوا العربة وأداروا ظهورهم، وثقبوا أرضية المركب ثم قالوا إنه يغرق. رفعوا شعاراً تركوه مصلوباً على جدار النسيان، واستمروا برفعه حتى قبل وصول المركب إلى مصيره المحتوم.
يا للشعار الذي أسال الدماء على جدران الأزمات المفتعلة، والمصطنعة، وللزيف الذي يغلّف كلّ شيء، فبتنا وكأننا نعيش في عالمٍ من الخيال، حتى كدنا نردّد:
قَتَلَنا الشِعار
أصابنا يا رفاق
بالقلبِ، أسالَ
دمنا على الجدار
ملأنا الشوارع، صرخنا
عبرنا جسوراً، فرحنا
نادينا، هذا انتصار...
ضحكنا كثيراً
أما أيدينا فكانت
تمسك الجمار
أين الشعارات التي رُفعت على مدى نصف قرنٍ مضى من الزمن. رفعوا شعار تحرير بلادٍ مغتصبةٍ، لكنهم عمِلوا، فعلياً، على تثبيت أمرٍ واقعٍ كرّسه آخرون من خلف الكواليس. أليست الخطوة الأولى هي تثبيت استقرار المحيط ومنعته، بدل تقسيمه وإغراقه في صراعات جانبية؟ شعار التحرير أخفى وراءه خناجر التفتيت.
لا وقت الآن للتحليل والنظريات، بل هو للعمل والبناء، ولا مجال للترقيع والإصلاح، لأن الإصلاح يجب أن يكون عملية مستمرة، والفساد يحارَب فور حدوثه قبل أن تتاح له فرصة التغلغل في جسد الأمة، فلا ينفع معه لا إصلاح ولا تغيير.
أليس من المستغرب أن لا يمرّ على البلد عقدٌ أو عقدين من الزمن حتى يطل عليه شبح حربٍ لا تُبقي ولا تذر؟ أليس من المستغرب أن لا نتعلم من دروس الماضي؟ وهل فات وقت التعلّم؟ العلة معروفة، وكذلك الحلول، لكن المطلوب هو توافر الأيدي المخلصة التي تنتظر فرصة لها كي تبدأ بالعمل.
متى يتطابق الفعل مع القول، والشعار مع الممارسة؟ هل وصلنا إلى نقطة اللا- رجوع، وبتنا في قعر أزمة لا نخرج منها حتى ندخل في أزمة أخرى، أو كمن يخرج من نفقٍ ليدخل في نفقٍ آخر؟ أما الأزمات الكبيرة فتحتاج إلى حلولٍ حاسمة لا مكان فيها للتردد أو التخاذل. هناك في البلاد من يستطيع أن يُقدِم على الحسم لكنه يُحجم، وهناك سابقة تبرّر الحسم، وأحداث تُظهر مخاطر الإحجام. وأهمية الوقت هنا مصيرية، لأن ترك الفوضى الصغيرة على غاربها يعطيها دفعاً لكي تكبر شيئاً فشيئاً حتى تعم، ولا يعود هناك من مجال لإطفائها فينتشر الخراب والبلاء.
وإذا عدنا إلى صفحات التاريخ فإنه يعلّمنا أشياء كثيرة، ومن بينها أن المعول الذي يهدم هو الذي يبني، وأن الريشة التي تنشر الأفكار قد تمحو ما ساء منها لتضع مكانها أفكاراً بنّاءة، وأن بعض الأزمات في مرحلةٍ ما قد تكون مدخلاً إلى مرحلةٍ أخرى أفضل منها. والمعول الذي يقتلع الأشواك هو ذاته الذي يمهّد الأرض للزرع.
الأشواك معروفة في دروبنا، والزرع متوافر، لكن المهم هو وجود النيّة والعزم.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.