حمل ربيع ابراهيم طفله طلال، البالغ من العمر 8 سنوات على ظهره، وهو مضرّج بالدماء، وسار فيه من مكان مقتله في ميناء - طرابلس، والدموع تملأ وجنتيه صارخاً: بأيّ ذنبٍ يُقتل؟
بأيّ ذنبٍ يُقتل طلال ربيع ابراهيم، وهو طفل في ربيعه الثامن؟ وبأي ذنبٍ يُقتل كلّ بريء في هذا البلد، نتيجة السلاح المُتفلّت بين أيدي "الزعران" وليس الأوادم؟ لأنّ الأوادم سلاحهم الحجّة والمنطق والإقناع. وأيّ حالٍ وصلت إليها طرابلس والميناء والشمال وكل لبنان، حيث لم يعد للحوار والعقل أي مكانٍ بين الناس؟ أيّ خلافٍ صغير أم كبير، الإتّجاه فوراً إلى لغّة السلاح والرصاص، بعدما تعطّلت لغة الحوار والتفاهم بين اللبنانيين، في زمنٍ تتقهقر فيه الدولة، وتفقد الأجهزة الأمنية السيطرة على الأرض، بعدما ارتضت لنفسها أن تكون أجهزة أمنية، تعمل في السياسة أكثر ممّا تشتغل في الأمن.
كيف قُتل الطفل طلال؟
ينام الشمال على حزن ويصحو على آخر. وفي تفاصيل مقتل الطفل طلال، أن إشكالاً وقع في ميناء طرابلس بين عدد من الشبّان، تخلله إطلاق نار، ما أدّى إلى إصابة الطفل (طلال ربيع ابراهيم)، والذي كان على مقربة من مكان حصول الحادث.
ونفّذ الجيش اللبناني إنتشاراً واسعاً لضبط الأمور، ولم يتأخّر أقارب الطفل طلال وعدد من أبناء مدينة الميناء بالردّ، فأحرقوا مقهى ذُكر أنّه لمُطلق النار بشكل عشوائي ما أدّى إلى مقتل الطفل، فيما ألقى الجيش اللبناني القبض على مُطلق النار، وقيل أنه يُدعى أبو زينب العكاري، وسط غضب عارم ساد المنطقة وعمّ الأهالي جرّاء هذا الفعل المشين.
وفي حين أشعل مقتل الطفل طلال، مشاعر الحزن والغضب لدى أهالي الميناء التي شهدت بعد ظهر أمس موجة غضب عارم وحالات فوضى وإطلاق نار في الهواء، اشتعلت مواقع ووسائل التواصل الإجتماعي والصفحات الطرابلسية على الشبكة العنكبوتية، بمنشورات الأسى والحزن والإستنكار، وعُرضت فيها صورة الطفل، ونعاه المئات من أبناء طرابلس والميناء وعموم الشمال، ممّن يعرفونه وممّن لا يعرفونه، مُستنكرين "هذه الهمجية التي أودت بحياته جرّاء حمل السلاح من دون رادع، في ظلّ غياب الدولة عن تطبيق الأمن وفرض النظام".
هذه الحادثة وحوادث أخرى مماثلة تُسلّط الضوء مُجدّداً على موضوع السلاح وإطلاق النار العشوائي الذي تشهده المناطق اللبنانية، ومناطق الشمال وطرابلس بطبيعة الحال، وازدياد نسب الجريمة كلّما ازدادت الفوضى، واستمرّ مفهوم ومنطق الدولة في التراجع والتحلّل. فبدلاً من أن تزيد أوضاع الناس المعيشية والإقتصادية الصعبة محبة وتعاضداً وتمسّكاً بالعيش الكريم بسلام في ما بينهم، نراها تزيدهم عصبية وفرقة وتباعداً عن الدين والقِيم والإنسانية. وبدل أن تعمل الدولة اللبنانية، والأجهزة الأمنية، على تطبيق السياسات الردعية والأمن الإستباقي، نراها في مناطقنا تتحوّل أجهزة تعمل في السياسة بأمرة السياسيين، تعرف أماكن وأسماء وجرم كل حامل للسلاح وكل مُخالف للقوانين، ولا تستطيع تطبيق القوانين بحقّه.