Advertise here

الأعمال والحساب...

10 تموز 2020 21:44:50

? يا أيها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم ?

 معروف الدنيا والآخرة

ضع أثرَك في كل عالَم الجزاء من جنس العمل.
وتذكّر أن الظلم عاقبته وخيمة.

قصة وأكثر من عبرة...

كان رجلٌ ثري يزور معرضاً للرسم فرأى لوحةً جذبت انتباهه كما جذبت أنظار الآخرين.

كانت اللوحة لأرملةٍ فقيرة يحيط بها أطفالها، وقد طُردت من مسكنها وهي تقف تتذلّل لرجلٍ هو صاحب البيت، وتتوسّل إليه بدموع أن لا يطردها. والرجل القاسي يظهر في اللوحة وهو يطردها مع الأطفال بكل قسوة، وعيون الأطفال تنظر لهذا القاسي بنظرات الخوف والرعب، ولكن واحداً منهم كان ينظر إليه بنظرة التحدي.

والغريب أن هذا الثري تسمرّت قدماه وهو ينظر إلى تلك اللوحة، وقد تذكّر هذا الموقف لأنه هو ذاك الرجل القاسي. وأخذ قلبه ينبض، والعرق يتساقط من جبينه إذ رأى عمله أمامه، وأراد أن يشتري تلك اللوحة فذهب إلى الرسّام الذي رسمها، وقال له:

"أريد أن أشتري هذه اللوحة". وقف الفنان وهو ينظر إليه بتحدٍ، وقال: "لن أبيعَ تلك اللوحة أبداً، وستظل هنا ليراها العالم كلّه". 
فبادره الثري، وقال له: "ولماذا؟؟!" فقال له: "لأن هذه الأم هي أمي، وأنا أحد هؤلاء الأطفال". 
استدار الثري ليهرب من أمامه، فقال له الفنان: "وأنت هذا القاسي الذي لم يرحمنا". 

فتسمرّت قدما الثري وهو يحاول أن يلملم أشلاء نفسه، ولكن الفنان استمرّ في حديثه بصوتٍ عالٍ، وقال: هل تضايقتَ لأنني وضعت أمامك أحد أعمالك القاسية؟ ولكني أقول لك، أمام اللـه سترى كل أعمالك قائمةً لتحاسَب عليها.

 حبّذا لو يُفتتح معرضٌ لبعض السياسيين ليروا صورهم مستوحاة من أعمالهم، ممن تشرد، وممن طُرد من عمله، وممن أمام مؤسّسته المفلسة والمقفلة، وممن ينتظر أمام مدخل مستشفى، وممن يعرض كليته للبيع، ومن يستجدي ليأخذ ماله وحقّه من المصرف، وكان قد  أودعه كضمانٍ لحياته وحياة أولاده، وما تبقى له من تحويشة تعب العمر، أو من ينتظر باب الهجرة، وممن... لعلهم يتّعظون، أو يتوارون عن الأنظار فيريحون ويستريحون.

وأجمل لوحةٍ تقول إننا جميعاً سنقف أمام اللـّه لنحاسَب على حياتنا، وسنرى ما فعلناه، ولكُنّا سنكون في زمن العدل وزمن الحساب. ونتمنى لو أننا الآن نحيا زمن الرحمة، زمنٌ يمكننا فيه أن نصنع صوراً أخرى لحياتنا غير تلك الصور التي قد نُخزى منها. ولكن أن عبرت بنا الأيام وانتهت هذه الفرصة سنقف أمام الله لنحاسَب بعدل...

ولمن انتصر بعد ظلمه، فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحق، لأولئك العذاب.

 ولمن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه له فأولئك ما عليهم من مؤاخذة، إنما المؤاخذة على الذين يتعدّون على الناس ظلماً وعدواناً، ويتجاوزون الحد الذي أباحه لهم ربّهم إلى ما لم يأذن لهم فيه، فيفسدون في الأرض بغير الحق. أولئك لهم يوم القيامة عذابٌ مؤلم موجع.

اللهم إنّا نستودعك وطننا وأنفسنا وقلوبنا وأرواحنا، وأحبّتنا وأهلينا، وحاضرنا ومستقبلنا، فاحفظنا بحفظك يا الله...

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".