أظهرت الأيّام الأخيرة الماضية أنّ حكومة الرّئيس حسان دياب لن تتّجه نحو الاستقالة، على الرغم من أنّ أداءها لم ينل حتّى الساعة ثقة جزء كبير من الشعب اللبناني من جهة، ورضى بعض القوى السياسية من جهة ثانية.
في حديث مع مستشار رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" رامي الريّس، يرى أنّ الظروف غير مؤاتية اليوم لإقامة جبهة سياسية موحّدة بين قوى المعارضة، إذ ثمّة قراءات متباينة بين مكوّنات المعارضة، ولكل طرف اعتباراته التي قد تتعارض مع الأطراف الأخرى. إلا أن التواصل في ما بينها قائم. المهم أن تبقى أصوات المعارضة مرتفعة في البلاد طالما أنّنا في نظام ديمقراطي "حتّى إشعار آخر".
لم يعد الوضع في لبنان يحتمل المزيد من المراوحة وتضييع الوقت، وعلى الحكومة الخروج من تكرار معزوفة التركة الثقيلة الناتجة عن الحقبات الماضية، والبدء بالعمل والإنتاج. ويعتبر الريّس، بأنّ رئيس الحكومة والوزراء الحاليين كانوا على علم بطبيعة المناصب التي سيتولّونها، مشيرًا إلى أنّ الرّئيس دياب، كان يدرك تمامًا بأنّه سيكون رئيس وزراء في لبنان لا في لوكسمبورغ ولا في النمسا ولا في نيوزيلندا، وقد سبق له أن عُيّن وزيرًا في إحدى الحكومات السابقة، وهو على خير معرفة بطبيعة المشاكل اللبنانية. لا ينفي الريّس المسؤوليات المتفاوتة لجميع المكوّنات اللبنانية ولو بنسب متفاوتة، ولكنّه يشدّد على ضرورة اتّخاذ الحكومة الحالية قرارات إصلاحية قد طال إنتظارها، وتمّ تشخيصها وأصبحت معروفة.
يُدرج رامي الريّس والحزب التقدمي الإشتراكي قطاع الكهرباء في طليعة الخطوات الإصلاحية الواجب المباشرة بها. فقد تخطّت الخسائر الناتجة عن هذا القطاع الـ 45 مليار دولار للسنوات العشرة الماضية، وما يقارب الملياري دولار سنويًّا. إنّ الحدّ من هذا الهدر، يُشكّل رسالة إيجابية للمجتمع الدولي، تنطوي على التصميم اللبناني للدخول في عملية الإصلاح. غير أنّ هذا الأمر لم يحصل ولن يحصل في المدى المنظور كما يبدو. ويتوقّف الريّس عند رفض بعض القوى تشكيل الهيئة الناظمة قبل تعديل القانون المتعلّق بها، علمًا أنّ التعديل سيؤدّي عمليًّا إلى إفراغ الهيئة من مضمونها ومن صلاحيّاتها قبل تشكيلها.
كذلك هناك العديد من القرارات التي تتّخذها حكومة دياب ولكنّها لا تنفّذها. ويستشهد الريّس، بموضوع إقفال المعابر غير الشرعية وضبط المعابر الشرعية، والتي قد توفّر خسائر بقيمة 4 مليارات دولار سنويًّا، على أنّه خير دليل.
وفي هذا السياق، يُحتّم الريّس ضرورة حزم الحكومة في مقاربة الأمور، والخروج من التخبّط المُهيمن على أدائها؛ إنطلاقًا من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والتي باءت بالفشل في الشكل والمضمون، إن لناحية العجز عن تقديم أرقام موحّدة ودقيقة، وإن لناحية الاستقالات المتتالية لأعضاء الوفد المفاوض ما يعكس صورة التخبّط الحاصل، وصولًا إلى الملفّات الإقتصادية والمعيشية، التي تمتصّ كل مقوّمات صمود الشعب اللبناني الذي يعاني بشكل غير مسبوق.
يصوّب رامي الريّس مسار الخروج من الأزمة المتفاقمة، نحو إستعادة لبنان لموقعه في محيطه العربي الطبيعي، من خلال ترميم العلاقات مع الدول العربية ومع العالم. ويجد أنّ إستعادة الثقة، هي المدخل الأساسي لاستنهاض الواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي، الذي أدّى إلى وقوع لبنان في عزلة، وحال دون تدفّق الاستثمارات والأموال إلى البلاد.
وعن الاحتجاجات الشعبية، يؤكّد الريّس أنّه من الغبن أن تجرف رياح "كلّن يعني كلّن" كافة القوى السياسية، فالجميع مسؤول بشكل أو بآخر، ولكن لا يستطيع المواطن أن يضع القوى التي عطّلت المؤسسات الدستورية على مدى سنوات في سلّة واحدة مع من قدّم أوراق ضغط لإحداث تغيير جدّي... "كنّا ولا نزال حريصين على مصلحة البلد وضمائرنا مرتاحة". وقد قدم رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط في لقاء بعبدا الأخير، ورقة كاملة فيها مضامين ميثاقية ودستورية وسياسية واقتصادية تشمل اقتراحات لمعالجة الوضع الراهن المتردّي.
ختم رامي الريّس حديثه، بالقول أنّ وقف الانهيار والتدهور "متاح"، شرط أن تتوفّر الإرادة السياسية والقرارات الحازمة، ولكن بات واضحًا أنّ ثمّة قوى داعمة للحكومة تقود مساراتها باتّجاه مصالحها الفئوية بدل السير بما يحقق المصلحة العامة.
*ناريمان شلالا/ النديم