Advertise here

قبل أن يبتلعنا الثقب الأسود

09 تموز 2020 18:58:41

استمعت كعادتي إلى السيد حسن نصرالله في إطلالته التلفزيونية، بكل انتباه لكل كلمة يقولها، وهو سيد قوالب الكلام بين أقرانه من المشتغلين بالسياسة في لبنان.

رأيته بعين الناقد أسدًا يقف على فوهة بئر عميق، مليء بالأشلاء المحطمة، والأنفس المقهورة، والبيوت المطفأة أنوارها، يحاول بثقة في النفس لا يمتلكها الا ملك الغابة أن ينتشل من البئر ما يمكن إعادة استخدامه أو تدويره أو أن يبث روح الاستمرار والبقاء.

رأيته يفتش في جعبته المليئة دائمًا عن ادوية لعلاج امراض مستعصية، فلا يجد في الجعبة الا المسكنات والمهدئات وأقراص إخفاء الألم بانتظار الجراحة وهي كما الكي آخر الدواء.

تدعونا يا سيد، ونحن اربعة ملايين بائس ويائس، الى الاستجارة من الرمضاء بالنار، حتى لكأن التغلب على اليأس بالإيمان لا ياتي إلا من طهران، ولكأن التبادل التجاري، (حديد بقضامي) ترياق لا يأتي الا من العراق.

استفحل المرض فينا يا سماحة السيد، وكما قلتُ منذ اكثر من سنتين في مقال سابق، الجوعى يا سيد لا يقاتلون، وإن قاتلوا لا يربحون حرباً.

واقفٌ كالأسد يا سيد على باب بئر عميق تحوله الأيام مع مرور الوقت إلى ثقب أسود قاتل من شدة قوة جذبه وابتلاعه لمن يقف على بابه، إنه الفقر والعوز والجوع الذي لا يرحم ولا يسمح بالترف الفكري والتحليل المنطقي.

تعبنا يا سيد، بعد عمر قضيناه أوفياء لأمتنا وعروبتنا ووطنيتنا وفلسطيننا، بدون افق مفتوح إلا على القبور التي نحفرها بأيدينا لمن هم أبناء جلدتنا، فيما اعداؤنا ومغتصبو ارضنا بما اغتصبوه منا ينعمون. 

تدعونا يا سيد الى زرع اسطح منازلنا وحدائقها، وإلى العودة للصناعات اليدوية لنعيش، ولكنك لا توصّف ما أوصلنا الى هذه العودة، وهل كان الأجر على قدر المشقة.

بخطى ثابته نتراجع نحو القرون الغابرة، على دروب يزينها كلام سيد الكلام، كما تزين الأكاليل وباقات الورود نعوش الموتى حتى لكأن المسجى في النعش، سيستعيد من عبير الورد روحه التي فارقت جسده.

اما السيادة، التي استباحتها سفيرة الشيطان الأكبر، أفلم تكن قبل ذلك مستباحة من كل من هب ودب من الدول وسفرائها وقناصلها ومبعوثيها، وكيف لنا ان نكف أذاها عنّا والفاخوري خرج وأخذ معه أذن الجرة الى اميركا؟!

ومع ذلك يا سماحة السيد، لا زلت أغبط بيئتك على بلاغة  خطابك ودقة أدائك، وقوة منطقك وإقناعك لها بما تقول، وأخشى ما أخشاه ان تكون للكلمة التي تقولها مهلة لانتهاء صلاحيتها تسبق صلاح الوطن، فيبتلعنا الثقب الأسود.