Advertise here

التصعيد الأميركي الإيراني في مرحلة جديدة.. "حساب التكلفة"

05 تموز 2020 12:46:14

 ضاعفت التصريحات المتناقضة، والتبريرات غير المنطقية التي قدّمتها القيادة الإيرانية، من الغموض الذي يغلّف حقيقة الانفجارات التي هزّت على مدى الأيام الأربعة الأخيرة، منشآت عسكرية، وصحيّة، ونووية في إيران، كان آخرها محطة "مدحج أحواز" لإنتاج الغاز، بالقرب من منطقة الزرقان في إقليم الأحواز غربي إيران، وذلك بعد أيامٍ من انفجارٍ آخر في "منشأة نطنز النووية"، والذي امتنعت القيادة الإيرانية عن كشف أسبابه وحجمه لأسبابٍ وصفتها بالأمنية، إضافة إلى الانفجار الهائل الذي هزّ موقع "بارشين" العسكري شرق إيران، والذي قالت السلطات إنه انفجار غاز صناعي في موقعٍ معروفٍ بتطويره لقدرات نووية وصاروخية.

وكان أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني الثلاثاء في 30 حزيران عن وقوع 19 قتيلاً وعدد من الجرحى في انفجارٍ ضرب مستشفى في شمال العاصمة طهران، ورجّحت السلطات أن يكون أيضاً سببه تسربٌ في أنبوبٍ للغاز.

طهران أعلنت أيضًا الخميس أن "حادثاً عرضياً" وقع في مستودعٍ في مجمع منشأة نطنز النووية دون أن يسفر عن إصابات، أو تلوثٍ إشعاعي، حسب تعبيرها، وذلك بعد أن تبنّت جماعة تطلق على نفسها اسم "الفهود الوطنية" الهجوم على المنشأة من خلال عبوة ناسفة زرعتها في داخل المبنى، وقالت إن "الانفجار دمّر الكثير من أجزاء المنشأة فوق الأرض"، فيما اعتبرت "وكالة نور نيوز" المقرّبة من الحرس الثوري أن حادث نطنز، وانفجار مخازن الغاز في إحدى منشآت وزارة الدفاع في منطقة بارشين شرق طهران الأحد الماضي، "ناجمان عن هجمات إلكترونية إسرائيلية".

وتقع منشأة نطنز للتخصيب، على مساحة 100 ألف متر مربع، وعلى عمق 8 أمتار تحت الأرض، في محافظة أصفهان (وسط)، وهي واحدة من منشآت إيرانية عدة تخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

التفجيرات في إيران ترافقت مع أجواء تصعيدية عسكرية ودبلوماسية لافتة بين واشنطن وطهران، رغم أن الطرفين كانا نجحا في تبادل سجناء لديهما. وكانت واشنطن دعت حلفاءها الأوروبيين إلى دراسة اقتراح مشروع قرار دولي في مجلس الأمن لتجديد فرض عقوبات حظر استيراد وتصدير الأسلحة إلى إيران، والمفروض عليها منذ العام 2015، بعد أن أكدت التحقيقات الدولية ضلوع ايران في الهجمات الصاروخية ضد منشآت آرامكو السعودية.

مصادر دبلوماسية مطلعة رأت في اتصالٍ مع "الأنبـاء" أن "الإدارة الأميركية عندما تذهب إلى مجلس الأمن للمطالبة بتجديد عقوبات حظر التسلّح على إيران، تذهب مدركةً أن قدرتها على جذب الموقف الأوروبي غير كافية لإصدار قرارٍ أممي دون ضمان موافقة روسيا والصين، القادرتين على استخدام حق النقض الفيتو"،  وقالت المصادر إن "الإدارة الأميركية أمامها خطة بديلة خارج مجلس الأمن تريد الذهاب إليها، وتهدف إلى توسيع دائرة العقوبات، وتضمينها نصاً يضمن ملاحقة أي خرقٍ يتمّ من قِبل موسكو وبكين لهذه العقوبات. اذ ان التوافق في مجلس الأمن يخفّف من تأثير العقوبات الدولية، وهذا ما استفادت منه طهران، فيما تُعتبر العقوبات الأميركية الأحادية الجانب أكثر تأثيراً، وأكثر صلابة، وقوة وتشدداً".

وعن التصعيد الأميركي- الإيراني المستجد، اعتبرت المصادر نفسها أن استراتيجية الطرفين الآن هي "التصادم، والاحتواء، وحصد النتائج"، وأوضحت بالقول: "التصادم بمعنى أن يسعى كل طرفٍ لاستخدام كافة أدواته المتاحة، والاحتواء أن لا يذهب هذا التصادم إلى فلتانٍ أمنيٍ أو عسكري قد يؤدي إلى تطورات غير محسوبة، وغير قابلة للاحتواء، ثم الوصول إلى نتائج محدّدة على المدى الطويل، أي أن الصراع لن يتخذ شكلاً واحداً، خاصة وأن الملفات كافة متحدة ومنفردة في ذات الوقت".

في مجال آخر أشارت المصادر إلى أن الفترة الراهنة من الصراع سوف تشهد نمطاً جديداً من التصعيد "المحسوب بالتكلفة"، حيث تختلف ردود الفعل الإيرانية بين ملفٍ وآخر وفق ردود الفعل الأميركية، ووفق كلفة تلك الردود، وهذا ما يُبرز، وفق المصادر، "التمايز في اختلاف حدة الصراع. فاالتصعيد في اليمن بواسطة الحوثيين ضد السعودية كلفته أميركياً وأوروبياً قليلة جداً، وبالتالي يمكن لإيران أن تذهب بعيداً في هذا التصعيد بما في ذلك قصف الرياض بالصواريخ البالستية. لكن التصعيد ضد إسرائيل في سوريا تكلفته باهظة الثمن، لذلك تلجأ إيران إلى استيعاب وابتلاع هذا التصعيد، وعدم إطلاق أي رد فعل مباشر أو غير مباشر، سوى إعادة ترشيد قوتها وانتشارها في سوريا، وترسيخها في الواقع، وتغيير شكل تواجدها". 

وتضيف المصادر: "أما تكلفة التصعيد، أو الردود الإيرانية من لبنان، فسوف تكون خسائرها وتكلفتها فادحةً جداً إذا كانت موجّهة من حزب اللّه نحو إسرائيل. وهذا ما يجعل حزب الله يتريّث جداً في تصرّفه الميداني ضد إسرائيل".

واعتبرت المصادر أن "ثمة مساحة من الخطر الشديد تلوح في الأفق، سواءً كان هذا الخطر بحسابات إيرانية أو بحسابات أميركية، لأنه قد يؤدي إلى انزلاقٍ قد تذهب من خلاله الأمور في اتجاهات غير محسوبة، ولا سقف محدوداً لها مسبقاً. وهذا ما حصل في عملية اغتيال قاسم سليماني، وما قد يحصل في أي عملية قد يلجأ لها ترامب لتعزيز موقعه الانتخابي، ويحقق انتصاراً ملموساً على إيران في موقعٍ محدّد يخدم حملته الانتخابية".

لذلك، تشدد المصادر على أن  "العقلانية في إدارة الصراع واحتوائه ومنع تفجيره لا تكفي، لأن مساحة الخطر قائمة، وهذا ينطبق على لبنان إذا ما ذهب نحو الانزلاق الاضطراري جراء خيارات خاصة محلية أو بتوجيه إقليمي، مع العلم أن إيران تعتبر حزب الله بمثابة "الطلقة الأخيرة"، والقوة الأكثر تأثيراً، والتي يجب عدم التفريط بها لإبقائها ورقة تهديد استخدامها دولياً، ولأمد طويل، ولبنان له مكانة خاصة وموقع مهم في استراتيجية الصراع، وفي دائرة القرار في الدول الغربية، الأوروبية والأميركية".

اللحظة الراهنة إذا تنطوي على احتمالات متعددة شديدة الخطورة، نتيجة الإدارة المباشرة الأميركية للصراع مع إيران، وقد استفادت بشكل تدريجي من تصاعد العقوبات، ومن حشد المواقف، وتتجه نحو رفع مستوى هذه العقوبات وتأثيراتها المباشرة، وتوسيع دائرتها، وبالتالي المزيد من تشديد الحصار إلى حد الاختناق. فهل تستطيع القيادة الإيرانية الاستمرار في سياسة احتواء هذه الضغوط؟ أم أنها ستذهب نحو ردود فعل مباشرة؟