Advertise here

رؤية كمال جنبلاط الإصلاحية... قوانين وإصلاحات من أجل صحة أفضل

02 تموز 2020 13:40:33

تنشر رابطة اصدقاء كمال جنبلاط هذه السلسلة من الابحاث والدراسات الكترونياً لتشكّل مادة توثيقية بمتناول اجيال من الشباب لم يتسنّ لها مواكبة نضال المعلم الشهيد كمال جنبلاط، والاطلاع على مشاريعه الاصلاحية الشاملة في السياسة والادارة والاقتصاد والتربية  والاجتماع والصحة والقضاء والبيئة ومكافحة التلوث. نأمل ان يجدوا في هذه المشاريع الاصلاحية افادة تكون دليلاً لهم في تطلعاتهم من اجل نضالاتهم الساعية لإخراج لبنان من ازماته الخانقة، واقامة الدولة المدنية التي تحقق المساواة بين المواطنين امام القانون، وتكفل لهم تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.

حدد كمال جنبلاط الاسس الرئيسية لانتظام الدولة والادارة في لبنان، وقدّم لمشروعه الشامل بما يلي:

"من المحقق ان الدولة والادارة في لبنان هما بحاجة الى اصلاحات تتناول المؤسسات والمصالح والقوانين، على ان ذلك لا يكفي، بل يجب لأجل انتظام الحال ان نعمل على تحقيق الاوضاع الاساسية التالية:

1-    تطهير ملاكات الادارة من ارباب الفساد والرجعية في التفكير وانعدام الكفاءة الخلقية والمعنوية والادارية.

2-    تنقية الجو السياسي بتطهير القيادة الشعبية من المفسدين، ومن ارباب المدرسة العتيقة في التفكير وفي النهج ومن عملاء الاجنبي.

3-    توفير المثال الصالح الصادر عن قادة للدولة يظهرون في تفكيرهم وفي تصرفهم الخاص والعام بأنهم يؤثرون الاخلاص – المصلحة العامة فوق كل شيء. "

(بتاريخ 31/10/1958 من كتابه "مختارات من اجل المستقبل – ص.31")

كلام بالغ الاهمية قاله المعلم كمال جنبلاط في جريدة الانباء بتاريخ 14/09/1968 يصح توقيعه على مجمل الاوضاع التي يعاني منها لبنان اليوم، ولذا نبدأ منه تبريراً لما سنباشره في هذه الحلقات الموجهة الى الاجيال اللبنانية الشابة. آنذاك كتب المعلم : "بينما يتلهى معظم السياسيين بالقضايا العارضة  من المجلس النيابي او تبديل حكومة بحكومة، او مأساة مصارف، او تحسين علاقة لبنان بالنظام السوري او سواها من القضايا الطارئة،  يقوم في لبنان زحف لشعب لبناني شاب جدي في جميع المناطق، يتألف من عشرات آلاف طالبي العمل ومن المثقفين وارباب الجيل الجديد، لا يرتبطون لا بقليل ولا بكثير بما يجري اليوم على الساحة السياسية اللبنانية. هذا الجيل الجديد أخذ يتمنطق بغير ما نألفه من مقاييس، وبدأ يتوجه الى اهداف غير التي آلفها سكان السراي وارباب الرياسات والسياسات. فالنواب والدولة ومعظم السياسيين هم في واد، تفكيراً وعملاً، وهذا الجيل الجديد في واد آخر. لا يرى الشباب اية بارقة امل في ظل النظام السياسي القائم، ويطالب بقلب الاوضاع اللبنانية رأساً على عقب. قد لا يعرف هؤلاء  ما هو الشيء الجديد، ما هي الدولة الجديدة التي يريدونها تختلف كلياً عن الدولة القائمة اليوم.

من هنا تبرز اهمية التوجيه والتوعية للأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة السليمة في معركة الانقلاب الشامل الذي ينتظره اللبنانيون من المسؤولين."

على ضوء ما تقدم، وعلى ضوء ما زال اللبنانيون يعانون منه اليوم كان من المفترض ان نتناول في حلقاتنا الاولى آراء ومواقف ومشاريع كمال جنبلاط في الاصلاح السياسي، غير ان ما رافق هجمة فيروس كورونا من ارتباك في المواجهة والمعالجة، ومن مخاوف لدى اللبنانيين، فرضت علينا اعطاء الاولوية للموضوع الصحي وطرق الوقاية كما ارادها كمال جنبلاط ان تكون لأنه لو عمل بها لكانت الاوضاع الصحية والوقائية في لبنان افضل بكثير.

الاصلاح الصحي : في الصحة والوقاية

اعترف كمال جنبلاط بأنه في سن الثامنة عشر ة فكّر ان يصبح طبيباً وان يذهب الى افريقيا ليعيش بين الزنوج  ويطببهم (ص. 46 من كتابه "الفكر المنير عبر وسائل الاعلام"). وعندما سئل عن معارفه الطبية وهو ليس بطبيب أجاب "معارفي الطبية اكتسبتها من بعض الدراسات ومن مراجعة العديد من المخطوطات القديمة عن الطب والتطبيب. انا اعطي الوصفة لا اكثر. والاهم، في نظري، هو الطب الوقائي الذي يمنع الانسان من ان يمرض." دراسات كمال جنبلاط وابحاثة مكّنته من اختزان خبرات طبية صحية  وعلمية، عبّر عنها بقوله: "جسم الانسان يتكوّن بمادته وانسجته وسوائله وشرايينه واعصابه وخلاياه من الغذاء والماء والشمس والهواء. وصلاح الانسان وصحته تبدأ من حسن اختياره للمآكل الطبيعية والشرب الطبيعي الذي لم تفسده او تتلاعب به يد الانسان" (ص. 38 من كتابه "حقيقة الوجود والوعي").

اهتمامات كمال جنبلاط في مجالي الصحة والوقاية من الامراض:

هذه الاهتمامات بدأها منذ اربعينات القرن العشرين وحرص على ان تبرز في ميثاق الحزب التقدمي الاشتراكي الذي اسسه سنة 1949 ، تحت فصل (ثالثا: العناية الصحية والاسعاف العام  - ص.77) ومنها نبدأ:

- اعتبار العناية الصحية وسلامة الصحة العامة اساساً لحيوية المجتمع واعتماد التدابير اللازمة لذلك:

- المحافظة على صحة الافراد وتعزيزها

- ازالة الامراض الوراثية

- الوقاية من الامراض المعدية والاوبئة

- مكافحة المرض مكافحة فعالة بتأمين وسائل العلاج لجميع المواطنين

- نشر مبادئ الوقاية والمناعة الصحية وطرق المحافظة على الصحة وتعزيزها في اوساط الشعب بالتعليم وبالدعاية.

- السهر على تطبيق التدابير اللازمة للعناية الصحية في مختلف الحقول.

- تنظيم الوقاية الطبية الدائمة والاجبارية على الاولاد والشباب في مختلف درجات التعليم والتدريب.

-  الاجبار على التصريح بالامراض المعدية وضمان عزل المرضى. وفرض التدابير الواقية التي ثبتت جدواها العلمية.

-   اقامة رقابة صحية على الحدود.

وفي العام 1950، انتقل كمال جنبلاط الى مرحلة التطبيق التجريبية باعتماد نظام الضمان الطبي  لأعضاء الحزب التقدمي الاشتراكي وذويهم، وتوفير اسباب المعالجة لهم بنفقات زهيدة، بحيث تكون فكرة التعاون قد اثمرت في هذا الحقل  لمصلحة الفرد والجماعة في آن واحد (كتاب: ربع قرن من النضال – ص.142)

وفي آذار 1951، تعهد الموقعون على وثيقة قيام "الجبهة الاشتراكية الوطنية" من النواب بتقديم مشروع قانون الضمان الصحي لجميع اللبنانيين وتوفير التطبيب المجاني والعلاج والاستشفاء للعمال والفلاحين والفئات المتوسطة.

واستمر كمال جنبلاط يتابع اهتماماته الصحية، وفي 08/12/1955 تقدم بمشروع شامل للضمان الصحي في لبنان، اعتمد فيما بعد، اساساً لقانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وقد نصّ مشروع كمال جنبلاط على انشاء مديرية للصحة في وزارة الصحة، لها الشخصية المعنوية والاستقلال المالي. تتأمن خدمات الضمان الصحي بواسطة خلايا صحية تقام في المناطق، وتتألف كل خلية منها من الاقسام التالية: الطب الداخلي، الجراحة، النساء والتوليد والاطفال، امراض الرأس، الامراض الجلدية، طب الاسنان، الاشعة، والمختبر. ويشرف على كل قسم طبيب اختصاصي.

وحدّد الاهداف التالية للمشروع:

- تعميم الخدمات الصحية بحيث تغطي كل المناطق اللبنانية

-  تعميم الضمان الصحي بحيث يشمل جميع المواطنين

- تأمين الدواء بأسعار منخفضة عن طريق تشكيل هيئة وطنية عامة لاستيراد الدواء وتصنيعه في لبنان

- تطوير الخدمات الصحية المتكاملة بما في ذلك خدمات الرعاية الاجتماعية والامومة ومكافحة الامراض السارية  وحماية البيئة، والتثقيف الصحي.

وفي موقف له يبدو وكأنه موجّه لنا اليوم، اعلن كمال جنبلاط، في مقالته لجريدة الانباء بتاريخ 20/9/1957 تحت عنوان: "الضمان الاجتماعي العام":

"نعيش هذه الايام روايات محزنة ومخزية ومؤسفة في آن واحد، ولا نستطيع ان نقول ما هي ، ولكن كفى الإدارة الا تكون ادارة، وكفى الحكومة عبرة الا تكون حكومة، وكفى الدولة عبرة الا تكون دولة.

لا يمكن للادارة ان تكون ادارة وفيها هذا الجهاز  "المهلهل" من الموظفين. ولا يمكن للحكومة ان تكون حكومة الا اذا تألفت من الشخصيات الفاعلة القوية.

ولا يمكن للدولة ان تصبح دولة الا اذا توجهت وعملت بوحي وارادة رجال يستطيعون فعلاً ان يكونوا رجال دولة.

وهذا الحشد الغفير من المحاسيب والانصار  يبيعون للناس كل شيء ويتاجرون بالدولة. وهذا ما جعل الدولة تنحدر الى مستوى لا يستطيع احد ان يتصور عمق انحداره.

على اخواني اللبنانيين ان يستيقظوا، وعلى المسؤولين ان يستيقظوا.