Advertise here

على رجاء التغيير

12 شباط 2019 10:49:00 - آخر تحديث: 12 شباط 2019 11:41:31

اللبنانيون، بمعظمهم، إما أنهم يئسوا، وإما أنهم باتوا على درجة عالية من الصبر، أو اللامبالاة، بما يجري أمامهم، على البصر، وعلى السمع، وعلى الورق.

شعب، ووطن، ودولة، وتاريخ، وأجيال، ومستقبل، وحلم، ومصير... مكوّنات جرى إحتجازها، وتعطيلها تسعة أشهر في فراغ، إلى أن إختزلت بوزير لوزارة موجودة بالاسم، فتصاعد دخان من رماد وشحار يعمي الرؤية، ويحيّر الرأي، إعلاناً بانتهاء الأزمة.

لولا أحكام "التركيبة" اللبنانية، ولولا إنعدام الثقة المتبادل، لكان ثلث عدد الوزراء كافياً لإدارة شؤون دولة إمكاناتها محدودة، لكن شهواتها بلا حدود.

هذا في البداية قبل مثول الحكومة أمام الرأي العام في الداخل وفي الخارج، تمهيداً لخوض معارك الإصلاح الإداري، وتحقيق الإنجازات التي عجز عنها، أو تهرب منها، وزراء آخرون وسابقون، في الإقتصاد والانماء، وفي الأمن، والانعاش السياحي والعمران في المدن وفي المناطق، خصوصاً البعيدة، والمبعدة منها.

أربع نجوم، أربع وزيرات، رقم يساوي ربع حكومة لبنانية من القياس والعدد الوسط (16 وزيراً ووزيرة) كما في الدول الديمقراطية الكبرى، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، وهو رقم تعتمده دول أميركية واوروبية كثيرة. فقبل أسابيع قليلة نقلت صحف كندا، ومثلها صحف عالمية كثيرة، صورة رئيس الوزراء على دراجة متوقفاً في صف من الدراجين أمام إشارة السير، وكان متوجهاً إلى مكتب رئاسته مثل سائر الكنديين الذاهبين إلى أعمالهم.

أما في لبنان، خصوصاً في العاصمة بيروت، فيا لبؤس المواطنين والموظفين وطلاب المدارس، والمرضى المتوجهين إلى المستشفيات، وبعضهم إلى "الطوارئ" حين يصادفهم موكب رسمي تزعق صفاراته لاخلاء الطريق أمام الذاهب إلى فنجان قهوة.

في منتصف العقد الأخير من القرن الماضي، وفي زمن حكم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إنتدبت مؤسسة غير رسمية تعنى بالأبحاث والاستقصاء عدداً من مندوبيها للنزول إلى الشارع في مهمة لاستطلاع آراء المواطنين، عشوائياً، عن آرائهم في حكم الحريري، وهل هناك إنجازات محددة يمكنهم الإشارة إليها؟

وبالرغم من ان ذلك الاستقصاء لم يتعد حدود العاصمة، ولم يشمل سوى فئات قليلة العدد، إنما كانت متعددة المهنة والانتماء السياسي، أو الحزبي، فان الاجوبة كانت، بمجملها، صريحة، وسلبية.

غير أن بعض التفاصيل والآراء التي وردت في الاجوبة والتعليقات على الوضع اللبناني في تلك المرحلة فكانت مثيرة للانتباه.

أحدهم، وكان محشوراً في سيارة أجرة، مع أربعة ركاب في عجقة سير في شارع ضيق تغمره السيول والفوضي، أجاب عن السؤال بعصبية: أنظر إلى هذا الرتل من السيارات، وحاول ان تعرف من الركاب القابعين فيها لماذا خرجوا من بيوتهم أو من أماكن عملهم، فسوف تكتشف أن سبعين منهم، على الاقل، كانوا في غنى عن هذه المحنة لو أن جهاز الهاتف في بيوتهم، أو في مكان عملهم شغّال فيوفر لهم فرص التواصل وتيسير الامور.

كان هذا في زمن التلفون الثابت في البيوت والمكاتب، ولم يكن اللبنانيون قد دخلوا عصر "الموبايل" فصار لكل رجل وإمرأة، وتلميذ وتلميذة، وعاملة منزل، "موبايله" الخاص الذي يفصله تماماً عن عالمه حين يشاء وحيث يشاء.

حالياً يقول ركاب وسائقو السيارات الخصوصية، ومعهم ركاب سيارات "السرفيس" العمومية، وهم يشيرون إلى الرتل الذي يسد الطريق: هل كان عليهم أن يهدروا وقتهم، ومصروفهم، لو ان الاوتوبيس العمومي (أي اوتوبيس الدولة) النظيف، المرتب، مع سائقه الموظف المنضبط بنظام السير، ما يزال يعمل في شوراع العاصمة، ويوصل ما بينها وبين المناطق القريبة والبعيدة، بالسعر الزهيد الذي يمكن ان يتحمله العمال، والفقراء، والعاطلون عن العمل، وهؤلاء الذين يسكنون في مناطق بعيدة نسبياً عن بيروت.

والسؤال السهل الذي يتردد في الأوساط الشعبية من دون جواب: لحساب من، لأي شركة، أو جهة قوية ونافذة، سُحب أوتوبيس الدولة من العاصمة والضواحي القريبة والبعيدة؟...

...وهل يمكن أن يعود ذلك الاوتوبيس بعد؟

قبل ثمان سنوات إنتحر الشاب التونسي محمد "البوعزيزي" إحتجاجاً على ظلم السلطة والفقر بحرمانه من تجديد رخصة عربته التي يبيع عليها الفواكه والخضار، فأشعل النار في ثيابه وإحترق شهيداً، لكنه أشعل ثورة عربية ذهبت برؤساء وحكام عرب.

وفي لبنان إستشهد جورج زريق بحرق نفسه على طريقة "البوعزيزي" إحتجاجاً على عجزه عن تسديد قسط مدرسي لابنته، ولو بالتقسيط غير المتيسر... فهل يمكن أن تقوم ثورة تغيير مدني وديموقراطي سلمي في لبنان؟..

مجرد حلم، أو رجاء.