بات الذل هو الحاضر الأول في يوميات اللبناني، يرافقه وينتظر معه في طوابير الصيارفة ومحطات المحروقات والأفران وحتى عند القصابين، فلا زالت أزمة الدولار تشتد أكثر يوما بعد يوم، حتى باتت تهدد الأمن الغذائي للبناني، فبعد الإرتفاع الجنوني للأسعار، وفشل معظم المحاولات في تثبيتها بما يتناسب مع قدرة المواطن الشرائية، ها هي الأسواق تفقد المنتجات الأساسية بشكل فاضح والقطاعات المعنية بالأمن الغذائي تتهاوى تلو بعضها البعض.
آخر الضحايا هو قطاع اللحوم التي أصبحت شبه مفقودة، فارتفعت صرخة القصّابين خوفا على قطاعهم، وأرزاقهم وعائلاتهم، في حين لحظ عدد من المناطق إقفالا لتجار اللحوم، كالضاحية الجنوبية لبيروت وبعض مناطق الشمال.
وفي إتصال له مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية، يؤكد نقيب تجّار اللحوم في لبنان جوزيف الهبر "عدم قدرة القطاع بعد اليوم على إستيراد المواشي واللحوم المبرّدة من الخارج، بحكم أن لا مزارع في لبنان، بعد الإرتفاع الحاصل في سعر الصرف"، مشيرا إلى أن "سعر الإستيراد بالدولار لم يتغيّر، والمشكلة في سعر صرفه محليا الذي يبلغ في الأسواق السوداء 7200 ليرة".
وفي تفاصيل الأرقام، يوضح الهبر أن "لبنان يستورد ما يقارب الـ50,000 طن من اللحم الحي، و20,000 طن مبرّد، ويراوح سعر الكيلو ما بين الـ4.5$ والـ8.5$، وقد يفوق هذه المعدّلات تبعا للمنتج، في ما جميع هذه المستوردات تخضع لسعر صرف يناهر الـ7200 ليرة، ويباع على سعر صرف 8000 ليرة تقريبا"، لافتا إلى أن "وزارة الإقتصاد لا تدعم هذه المنتجات الأساسية كما تدعم سواها كالطحين والمحروقات".
إلّا أن سوء الأرقام لا يتوقف عند هذا الحد، لا بل يعلن الهبر عن "ما نسبته 25% من سوق القصّابين أغلقوا محالهم، وقدرهم على طريق الإقفال في المدى المنظور، بسبب الخسارة التي يتكبّدوها، إما لناحية المنتجات التي تتلف مع الوقت، وإما لمستحقّات محالهم من إيجار وكهرباء وغيرها، مما سيؤدي الى أزمة إجتماعية جرّاء تزايد أرقام البطالة التي تنافس أرقام الفقر صعودا".
وعن مسار معالجة الموضوع، بحكم ان اللحوم من أساسيات العيش، يعلن الهبر عن "إجتماع عُقد مع وزير الإقتصاد منذ شهر دون أي جدوى، وعن لقاء آخر عقد منذ يومين مع مدير عام وزارة الإقتصاد"، حيث شدد الهبر في إطار خطته على "ضرورة دعم إستيراد اللحوم عبر تأمين سعر صرف 3900 ليرة"، لكن لم يتلقَ إلّا وعودا حتى اليوم.
اما في ما خص الكميّات المتبقية في السوق، فيقول الهبر إن "الإستيراد قد توقّف مع آخر شحنة وصلت، والإعتماد اليوم على الكميات المتبقيّة لدى القصّابين، التي لن تمد السوق أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام، كما على المواشي لدى المزارع الصغيرة، فيما الشحنات المستوردة في البواخر فمصيرها مجهول، إمّا يسوّى وضعها على سعر دولار مقبول، أو تُعاد إلى حيث أتت".
ويختم الهبر موجّها رسالة للمعنيين عبر منبر "الأنباء"، مناشدا إياهم "التحرك الضروري والفوري لتفادي أزمة فقدان اللحوم نهائيا من الأسواق اللبنانية في وقت قريب، وترك القصّابين عراة أمام الواقع الإجتماعي الأليم".