Advertise here

حديفة لـ"النهار": جُرأة البنود تعود إلى خطورة الوضع

27 حزيران 2020 11:47:00 - آخر تحديث: 08 أيلول 2020 12:02:03

اقتصرت العناوين التي كان لها وقعها في الأذهان على طاولة اللّقاء الحواريّ في بعبدا على الطّروحات المنبثقة من صدى أصوات معارِضة حرّكت رتابة الرّمال الراكدة، متطرّقةً إلى بنود جريئة من شأنها أن تضع الإصبع على الجرح وتُطلق مواقف حازمة ومحذّرة من المطالبة بالتعاون مع دول واقعة تحت العقوبات الدوليّة، ورافضةً تجديد مقولة "تلازم المَسارين" اللبناني - السوري من بوابة الاقتصاد، ومصوّبةً على ضرورة اتّخاذ إجراءات حاسمة لضبط الحدود ووقف كلّ أشكال التهريب للعملات الصعبة والمشتقّات النفطية والمواد الغذائية، ورافعةً راية المحكمة الدولية والعودة إلى إعلان بعبدا والبحث في الاستراتيجية الدفاعية. وكُتبت غالبية هذه البنود بقلم المذكّرة التي قدّمها رئيس اللقاء الديموقراطيّ النائب تيمور جنبلاط، فيما انبثق الصوت الذي تلاقى موضوعياً مع بعض هذه النقاط من مداخلة الرئيس ميشال سليمان الذي طالب بالعودة الفورية إلى إعلان بعبدا.

وإذا كان بيت القصيد يكمن في كيفية تلقّف هذه المقترحات من قبل الجالسين على طاولة اللقاء وعلى رأسهم القوى الدائرة في فلك الممانعة، فإن النتيجة التي تلقّفها مواكبون معارضون، كانت على طريقة المثل اللبناني الشعبي القائل "متل ما دخل الحضور متل ما خرجوا"، خصوصاً بعد ردّ ممثّل "حزب الله" في اللقاء النائب محمد رعد على مداخلة الرئيس سليمان. وهذا ما يؤكّد بالنسبة إلى المراقبين، عدم الجدوى من أي حوار من هذا النوع في ظلّ الوضع المأسوي الذي تعيشه البلاد، في وقت علمت فيه "النهار" أن عدداً من القوى السياسية المعارضة كانت نسّقت الموقف فيما بينها قبل أيام من خلال مروحة اتصالات واسعة، ارتأت بعدها اتخاذ قرار موحّد بعدم الحضور. أما المذكّرة التي أودعها الحزب التقدمي فكانت أشبه برسالة وصلت، لكن المؤشرات الأولى لا تظهر أنها قد تبلغ طريق الترجمة في ظلّ معوقات رئيسية مستقاة على الأرض. فلا الحدود ضُبطت، ولا المواد المهرّبة أوقفت، ولا ترجمة اتفاق الطائف في أبهى حللها، ولا العمل على إلحاق لبنان بمحور الدول المارقة توقّف. وتطرح هذه العناوين إشكالية الجدوى من جلسات يفصل بين كراسي جالسيها حيطان صدّ ورفض الامتثال الى الوصفات العلاجية.

من جهة التقدمي الذي قدّم المذكّرة، فإنه لا يزال يتريّث في إطلاق توصيفات على كيفية تلقّفها من قبل الحاضرين على طاولة الحوار بانتظار الأيام المقبلة. وعن توجهات المختارة في هذه المرحلة، يقول مفوّض الاعلام في الحزب التقدمي صالح حديفة لـ"النهار" إن "فريقنا اتّخذ خياراً واضحاً قائماَ على المعارضة البنّاءة، ذلك أنّ الزمن ليس زمن المعارضة للوصول إلى الحكم، بل إن الهدف إنقاذيّ ويستوجب متابعة عمل الحكومة خطوة بخطوة"، نافياً أن يكون هناك طروحات جدّية لتشكيل حكومة جديدة، فالمطلوب بحسب قوله أن "تعمد الحكومة الى تبديل آدائها"، إلا أن ذلك لا يعني أن التقدمي قريب من الحكومة والحكم، كما يُزعم، بل إنّ "خطابنا حاسم وصوتنا عالٍ بهدف تصويب الآداء وتحسينه انطلاقاً من قاعدة إذا أخطأتم سندلّ على الأخطاء المقترفة، وإذا دُعينا الى الحوار سنحضر اللقاء ونقول رأينا بصراحة وسنشير إلى الأخطاء".

ويرى أن "منسوب الجرأة في البنود التي تضمّنتها مذكّرة التقدمي المقدّمة في بعبدا، يعود إلى خطورة الوضع المزري الذي وصل إليه البلد، رغم أنها ليست المرّة الأولى التي يقدّم فيها التقدّمي خططاً وأوراقاً اقتصاديّة بل إنّه كان بدأ بتقديم ملاحظاته منذ طرح سلسلة الرتب والرواتب عام 2014، واتُّهم حينذاك بأنه يتصدّى لحقوق الموظّفين، في وقت كانت الملاحظات التي قدّمها تصبّ في إطار حرصه على هذه الحقوق". وتشكّل غالبية بنود المذكّرة الجديدة توجّهاً نحو إعلاء سقف الخطاب والمطالبة بمجموعة إجراءات منها الاستراتيجية الدفاعية، التي يذكّر حديفة بأنها "سبق وأن كانت واحدة من بنود طاولتيّ الحوار الوطنيّ السابقتين، إلّا أنّ عدم المتابعة سببه مجمل الأوضاع الاقليمية والدولية". وعن بند رفض إعادة تجديد مقولة "تلازم المسارين"، يتساءل: "لماذا على اللبنانيين أن يدفعوا ثمن العقوبات على النظام السوري أو أي عقوبات على أي دولة أخرى؟". وعن البند المحذّر من الطروحات التي تطلق تحت عنوان "التوجّه نحو الشرق" وتتضمّن التعاون مع دول واقعة تحت العقوبات الدوليّة، يقول "إن لبنان يحتاج الى خيارات منطقية ومنتجة، فهل يمكن أن نقنع أنفسنا بأن ايران وسوريا تمتلكان القدرات على الاستثمار في لبنان؟". وفي الوقت نفسه، يعتبر حديفة أن "خيار التفاوض مع الصين يجب متابعته بشكل جيد ومدروس للاستفادة من أي فرص متاحة".

وفي ما يخصّ المطالبة بتطبيق البنود غير المطبقة من اتفاق الطائف وفي طليعتها إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وانتخاب مجلس شيوخ، يشير إلى أنّ "المشهد في 17 تشرين أعطى بعض الأمل بالتّطلع الى دولة مدنية، وهذا ما ينصّ عليه الدستور اللبنانيّ. أليس من المنطق اذاً العودة إلى الدستور لتطبيقه بالكامل قبل التفكير في دستور جديد؟". وفيما يحذّر أحد بنود المذكّرة من الطروحات الفيدرالية، يلفت حديفة في هذا السياق إلى أن "هناك مقترحات رسميّة نسمعها في الصالونات السياسية في هذا الصدد، وبعضها ورد بشكل أو بآخر في كلمات داخل المجلس النيابي". وردّاً على سؤال عن ايجابيات يمكن التعويل عليها إذا ما طُبّقت فيدرالية الأقضية على أساس مدني غير طائفي، يجيب: "لنعمل أوّلاً على إلغاء الطائفية السياسية وبعدها نفكّر". ويخلص حديفة إلى أن "الحراك باتجاه تشكيل جبهة معارضة قائم منذ فترة، لكنه يحتاج إلى الاتفاق على العناوين والاسلوب، وحتى اللحظة هناك بعض التمايز بين القوى المعارضة في هذا الإطار".