Advertise here

الحكومة بين الشرطين الواقف والفاسخ

11 شباط 2019 11:17:47

تألفت الحكومة، وضمت نصاباً نسائياً شرعياً بأربع وزيرات، فقلنا إن عجز الحكم ان يعدل بينهن، فإنهن لن يعجزن عن العدل بين الناس، فالسيدات ما زلن مسكونات بالمثل، وبالرقة، وبمعاملة الأزواج والأبناء بالتفاني والإخلاص، وهن بكل الأحوال، غير ضليعات أو ضالعات بأمور الفساد.
ولقد حمدنا الله، الذي لا يحمد على مكروه سواه، بان أصبح لدولتنا حكومة تقيها التوغل في الفراغ، وترمم ما تبقى لها من سمعة، وتحفظ بعض رصيدها  المادي والمعنوي الذي تأكَّلته الرثاثة السياسية وقسوة القلوب، وظلمة العقول.
     ولكنني فؤجئت باندلاع التلاسن الحاد بين قطبين من 14 آذار طيب الذكر، بمجرد إِصدار المراسيم، كما زاد الطين بلة أن وزير البيئة صرح بأنه وقع مع وزراء (لبنان القوي) استقالات مسبقة، وتعزز هذا بتبريرات نابية عن لغة الدستور والقوانين؛ فإذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا ولكن المسار السياسي الانحداري اللبناني فقد الحشمة والسترة، ولبس الافتضاح وتباهى به.
تلك البدعة تدعو لتذكير أصحاب السلطة الآنية، بأنهم ليسوا كُلِّيي القدرة، وأن استهاتهم "بحبر الورق" لا يعتبر تزويراً في أوراق رسمية وحسب، بل هو خلخلة لأعمدة الهيكل، التي عِبثَ ويعبَث بها المُسْتَقوون المتعاقبون، باستسهال تجاوز الأحكام الدستورية ولي رقابها لتلبية طموحهم وجموحهم، في ظل الخلل الفكري والوطني الذي يصيب بعض العقول.
كنت في حضرة  قانونية ذات مصداقية عالية أخبرنا خلالها النقيب رمزي جريج أنه سيكتب عن الموضوع، ثم أرسل لي مقاله بعنوان " من الطائف إلى حكم الطوائف" فحفزني على استكمال ما بدأ، بالتأكيد على أن مراسيم تشكيل الحكومة، عمل قانوني ذو تاريخ صحيح، ينشر في الجريدة الرسمية وينصب الوزراء في المجلس وعلى الوزارات، فهل يعني هذا أن الوزراء التسعة قد استقالوا قبل صدور المراسيم؟ إذا كان ذلك، فإن الاستقالات تكون لغواً مطلقاً، لأنها صادرة عن غير ذوي صفة، كما أنها لا يمكن أن تكون فعلاً قانونياً مضافاً إلى وقت لاحق، لأنه لا يجوز قانوناً " التعاقد على تركة مستقبلية"، علماً أن الاستقالة  فعل  قانوني يجب أن يحمل تاريخه، فإذا كان خالياً من التاريخ، ثم أضيف إليه بعد ذلك، نكون حيال جناية التزوير في أوراق رسمية. يضاف إلى هذا، أن تعيين الوزير لا يمكن أن يكون معلقاً على شرط واقف، هو توقيع الاستقالة مسبقاً كما لا يجوز أيضاً أن  يكون معلقاً على شرط فاسخ هو إرادة  المرجع بطرده  من وظيفته، لأن هذا الشرط هو شرط  إرادي منوط بشخص أجنبي عن الآلية الدستورية لخروج الوزير، وهي محصورة أولاً باستقالته الحرة، غيرالمعلقة على أي من الشرطين المذكورين، وثانياً بسحب الثقة النيابية منه، وثالثاً بإقالته بمرسوم ، ورابعاً بوفاته لا سمح الله، وفي هذه الحالة فإن الوفاة السياسية لا تعد من تلك الآلية.

واستطراداً في البحث القانوني فإنه لا يجوز أن يكون الشرط مخالفاً للنظام العام أو الآداب، وهذا يفضي إلى أن الاستقالات المسبقة منافية للآداب السياسية، بحيث يختصر العشرة بواحد، علماً أن لكل وزير في مجلس الوزراء الحق بإبداء رأيه بحرية لا يشوبها هاجس الإقالة، وخلاف ذلك، فإن الواحد منهم، ستبقى عيناه معلقتين أثناء كلامه، على علائم الرضا أو الاستهجان على وجه مرجعه، وعندها سيفضل المكلفون أن تتشكل الوزارات من ستة زعماء الطوائف، توفيراً للمال، وللكرامة المسفوحة على سطور الاستقالة.
إن مفهوم الآداب العامة، بالمعنى القانوني،  لا يفترق كثيراً عن مفهوم الأداب العامة السياسية، لأن التأدب بآداب الدستور هو أعلى أنواع الآداب.
لقد مارست العمل الوزراي مدة تقل قليلاً عن ثلاث سنوات،  ولم أر مرة من دولة الرئيس تمام سلام- وانا من كتلته- ما يقيد حريتي، كما لم يطلب مني الرئيس سعد الحريري الذي رشحني للوزارة أي طلب، بل قدمت في مرة استقالتي لسبب معين، من غير استشارتهما أو إعلام أصدقائي فؤاد السنيورة وفريد مكاري وجان عبيد، وقد كانوا وراء تزكية دخولي للوزارة.
 أما خاتمة الملاحظات القانونية فهي أن جميع القوانين تعد الشركة الأسدية(société leonine ) باطلة بطلاناً مطلقاً، لأن الشرط الأسدي الذي يجعل أحد الشركاء بمنأى عن الخسارة هو شرط مدمر للشركة.