تشكل دعوة رئيس الجمهورية، ميشال عون، إلى لقاء وطني جامع في 25 حزيرن الجاري، حلقة جديدة من طاولات الحوار التي عرفها لبنان في العقدين الماضيين في ظل الأزمات السياسية المتلاحقة التي عصفت به بعد زلزال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فأي ظروف دفعت لانعقاد هذه الجلسات، وهل أتت بنتيجة؟
في آذار من العام 2006، والانقسام العامودي بين 14 و 8 آذار، وبروز ملفات خلافية عدة لا سيّما المحكمة الدولية والعلاقة مع سوريا، وترسيم الحدود معها، وسلاح حزب الله، بادر رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، إلى توجيه دعوة لأقطاب السياسة اللبنانية لعقد جلسات حوارية في مجلس النواب لمناقشة هذه المواضيع الخلافية، والتوصل إلى حل.
عُقدت سبع جلسات متتالية تم خلالها التوافق على ميثاق شرف لتخفيف الاحتقان السياسي، وعلى نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات خلال ستة أشهر، فيما وافق الفرقاء على انتخاب رئيس جديد يحظى بالتوافق، وتم تأجيل البحث في الاستراتيجية الدفاعية.
بعد انقطاع الحوار بين الفرقاء إثر الخلاف على ملف المحكمة الدولية، واستمرار الاغتيالات، نجحت وزارة الخارجية الفرنسية بإقناع السياسيين اللبنانيين بعقد جلسة حوار في تموز 2007 في مدينة سان – كلو في ضواحي باريس، حيث شارك فيها 14 ممثلاً من قيادات الصف الثاني، ولكن من دون التوصل إلى نتيجة.
وبعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود في نهاية عام 2007، بدون التوافق على بديل، وانفجار الشارع اللبناني وصولاً إلى الصدام في 7 أيار 2008، الذي أدخل البلاد في الاقتتال، حصل تدخل عربي انتهى بجولة حوار في الدوحة في أيار 2008، دامت ستة أيام وانتهت بالتوافق على انتخاب قائد الجيش، العماد ميشال سليمان، رئيساً للجمهورية، واجراء انتخابات نيابية في العام التالي.
أدى انتخاب الرئيس ميشال سليمان إلى انفراجٍ سياسي وأمني في البلاد، وإلى تحديد الانتخابات النيابية التي فاز بموجبها فريق 14 آذار بالأكثرية. وقام سليمان بدوره للدعوة إلى جلسة حوار في 16 أيلول 2008، تلتها ست جلسات أخرى جرى خلالها التوافق على ملفي النفط والعلاقة مع سوريا، وتكليف لجنة عسكرية بدراسة موضوع الاستراتيجية الدفاعية.
وبعد آخر جلسة انعقدت في أيلول 2008 انقطع الحوار، ليعود سليمان ويدعو في 2012 إلى جلسة بهدف بحث استراتيجية دفاعية للبنان والسلاح المنتشر على الأراضي اللبنانية، بعدما انعكس التوتر في الميدان السوري اقتتالاً داخلياً بين أبناء طرابلس تمثّل بعدة جولات بين باب التبانة وجبل محسن. وقد توصلت طاولة الحوار حينها إلى الخروج باتفاقٍ عُرف بإعلان بعبدا في 11 حزيران 2012، والذي شدّد على النأي بالنفس وتحييد لبنان، الأمر الذي لم يُطبّق على وقع الحرب السورية.
ومن ذلك الحين لم تُوجّه أي دعوة لهيئة الحوار الوطني وصولاً إلى الدعوة الأخيرة للرئيس عون تحت مسمى اللقاء الوطني المالي في أيار الماضي، والتي وجّهت الدعوة فيها إلى رؤساء الكتل النيابية وقاطعها عددٌ منهم، وكان قد سبقها دعوة مشابهة في العام 2017، قبيل إقرار سلسلة الرتب والرواتب. فهل سيُكتب للحوار، المدعو إليه في 25 حزيران الحالي، النجاح؟