Advertise here

الطريق إلى الخامس من حزيران 1967

17 حزيران 2020 14:06:00 - آخر تحديث: 19 حزيران 2020 15:21:50

في الخامس من شهر حزيران الجاري مرّت الذكرى الثالثة والخمسون لخسارة الجيوش المصرية، والسورية، والأردنية للمعركة الأولى، في ما يحلو للبعض تسميتها حرب الأيام الستة. وهي في الحقيقة معركةٌ من حربٍ بدأت سنة 1956، وانتهت سنة 1971. وقد كثُر عدد المحلّلين، في حينـه، للخسارة وأسبابها السياسيـة والعسكرية، وقد كانت التحليلات تعيدها إلى سنة 1966، والاعتدءات الإسرائيلية على الحدود السورية والأردنية والتي حصلت في تلك السنة، محملةً عبد الناصر مسؤولية سوء إدارته لتلك الأزمة، والتوقيت لبدء الحرب، وكأنه هو من خطّط، وقرّر، وباشر بإطلاق النار. وقد أُطلق على هؤلاء لقب "فلاسفة النكسة" من قِبل الفئـة المؤمنة بحكمة وسياسة الرئيس عبد الناصر، والتي استوعبت ما جرى، وأنّ الحرب ليست بسبب حشد إسرائيـل لجيشها على الحدود السورية، والتزام مصر، الجمهورية العربية المتحدة في حينـه، الدفـاع عنها تنفيـذاً لاتفاقيــة الدفـاع المشترك الموقّعــة مع سوريا والأردن والعراق ، بل هي تنفيـذٌ للاستراتيجيـة الأميركيــة المتّبعة بعد الحرب العالمية الثانية، والتي لا يمكن مقاربتها من خلال الأزمة التي نشأت قبل المعركة ببضعة أشهر، وإدارة الرئيس عبد الناصر لها، كما حدّدها "فلاسفة النكسة".

الخطوة الأولى على طريق حرب 1967/1971، كانت نتيجة التغيّرات في استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والدور الرئيسي الذي لعبتـه بتحرير أوروبا من الاحتلال النازي، وهزيمة اليابان أمامها نتيجة قصفها بقنبلتين نوويتين، ومساهمتها بإعادة إعمار أوروبا من خلال مشروع وزير خارجيتها، جورج مارشال، ما جعلها تشعـر بأنها سيّدة العالم. وهكذا تخلّت عن استراتيجيتها التي اعتمدتها بعد الحرب العالمية الأولى، والتي كان الانعزال، وعدم التدخل في أوضاع القارة الأوروبية والشرق الأوسط أساسها. أمام هذا الموقع الذي باتت تشغلـه أميركا عالمياً في تلك الفترة وجدت أنّ مصالحها لا بد وأن تشمل العالم بكامله، معتبرةً أنها تستحق هذا التواجد، خاصةً وأنّ الاتحاد السوفياتي، خصمها الكبير، وشريكها في النصر في أوروبا، سيتبع هذه السياسـة، وكان قد باشرها فعلاً بسيطرته على منظومة دول أوروبا الشرقية.

قامت إسرائيل سنة 1948، وكانت الولايات المتحدة الأميركية تعتبر أنّ هذه الدولة هي وليدتها، واعترفت بها بعد دقائق من إعلانها، معتبرةً أنها الخطوة الأولى باتّجاه القضاء النهائي على السيطرة البريطانية في الشرق الأوسط، لتصبح هي المهيمنة على المنطقة.

وبما أنّ الولايات المتحدة الأميركية دولة مؤسّسات، وسياستها لا تعتمد على أوامر رئاسية يحلو للرئيس إصدارها، بل هناك استراتيجية توضع لها من استراتيجيين يتألف منهم مجلس الأمن القومي، والذي يضع سياسة للدولة وفقاً لرؤى مبنيّة على دراسات واقعية وعلمية، ويرفـع توصياته إلى مؤسّسة الرئاسة التي تسيّر الدولة، سواءً كان الرئيس من الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي، ويبقى الأمر على هذا المنوال حتى تتبدّل قرارات وتوصيات هذا المجلس.

وقد كشفت الوثائـق، والمستندات السرية الأميركية العائدة لوزارتَي الخارجية والدفاع، والتي مرّت عليها مدة خمسين سنة وما يزيد، أن مجلس الأمن القومي بعد انتهاء الحرب وقيام إسرائيل، دُعي من قِبل الرئيس هاري ترومان، إلى إعادة النظر في الاستراتيجية التي تتبعها الدولة منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، والمبنيّـة على الانعزال عن الأحداث في القارة العجوز، كما يحلو للأميركي تسميتها بهذا الاسم. 

اجتمع مجلس الأمن القومي بتاريخ 17 تشرين الأول سنة 1949، أي بعد سنة ونصف على قيام دولة إسرائيل، وأصدر توصياته التي رفعها إلى الرئيس وحكومته في كتاب وجّهه له وحمل الرقم 47/2، وكان مضمونه أن على الولايات المتحدة الأميركية لتطبيق استراتيجيتها الجديدة على منطقة الشرق الأوسط أن تعمل على إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي، وتحقيق السلام، وإدخال الدول العربية ضمن استراتيجيتها لمواجهة وتطويق الاتحاد السوفياتي، بحيث تصبح البديل عن بريطانيا.

عند صدور التوصية المذكورة كانت الحكومات في دول المنطقة، بغالبيتها، صنيعة بريطانيا، وتعيش حالة عدم استقرار نتيجة هزيمة 1948، وقيام إسرائيل ما أدّى إجلى عدم المباشرة بأية خطوات للمباشرة في تنفيذ توصية مجلس الأمن القومي.

عند قيام ثورة 23 تموز 1952، وإسقاط الملك فاروق عن عرشه، وقبل إعلان الجمهورية، بدأت الاتصالات الأميركيـة، من خلال سفارتها في القاهرة، بمجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه اللواء محمد نجيب، شكلاً، وكان القائد الفعلي له جمال عبد الناصر، لتعرض التعاون مع الحكم الجديد والمساعدة.

 واستمرت هذه الاتصالات حتى سنة 1955، وقد كُلّف بها أحد أشهر عناصر وكالة الاستخبارات الأميركيـة، كيرمت روزفلت. وقد كانت كافة العروض التي تقدّم لمصر تقترن بشرطين: الأول الصلح مع إسرائيل، والثاني الدخول في الأحلاف التي تشكّلها الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ السوفياتي في المنطقة. وكان الردّ الناصري يأتي بشكلٍ دائم ومستمر عدم قبول الاجتماع المباشر مع القيادات الإسرائيلية، وعدم المباشرة في أية حلول بالواسطة مع إسرائيل، قبل اعترافها بقيام دولة فلسطينية، إضافةً إلى الرفض الدائم للأحلاف. وقد استمرّت هذه المحاولات الأميركية لمدة قاربت الثلاث سنوات.

وأمام التمنّع الأميركي عن تقديم أي نوعٍ من المساعدات الاقتصادية، وعدم تسليح الجيش المصري بأية أسلحةٍ حديثة، قرّر الرئيس عبد الناصر بدء التعاون مع مجموعةٍ من الدول المتحرّرة من نير الاستعمار في تلك الفترة، والراغبة باتّباع سياسة مشابهة لسياسته بعدم الارتباط بأي محورٍ أو دولة، والتعاون مع جميع القوى العالمية بما يتلاءم مع المصلحة الوطنية لهذه الدول.

 في نيسان 1955، دعا الرئيس الإندونيسي، أحمد سوكارنو، قائد حرب الاستقلال عن هولندا، وصاحب الفكر المتحرّر والمؤمن بالاستقلال، وعدم الارتباط بالمحاور والأحلاف، رؤساء الدول التي تدور في عين الفلك إلى عقد مؤتمرٍ لها في مدينة باندونغ. ولبّت هذه الدعوة مجموعة من الرؤساء التاريخيين، أمثال نهرو، وتيتو، وشوآن لاي. وكان نجم المؤتمر ذلك الضابط المصري، قائد مجلس قيادة الثورة المصرية، جمال عبد الناصر. وكان ذلك المؤتمر النواة لقيام مجموعة عدم الانحياز.

 أمام التعنّت الأميركي لم يكتفِ الرئيس عبد الناصر بالمشاركة بمؤتمر باندونغ، بل بدأ في عين السنة بالاتصالات مع الاتحاد السوفياتي للتزوّد بالسلاح، فكان له ما أراد. ولتنفيذ الصفقة بشكلٍ فوري وسريع، تمّ التنسيق بين الاتحاد السوفياتي والرئيس، وجرى التنسيق مع رئيس أركان الجيش السوري، الزعيم شوكت شقير، الذي حوّل فوراً صفة أسلحةٍ موجهةٍ إلى الجيش السوري من تشيكوسلوفاكيا إلى مصر، وهو ما عُرف في مصر باسم صفقة الأسلحة السوفياتية. 

وفي سنة 1956، باشر عبد الناصر، وكان قد أصبح رئيساً للجمهورية، في بدء تنفيذ مشروع بناء السد العالي. وقد حاولت الولايات المتحدة من خلال البنك الدولي، المموّل للمشروع، العودة إلى ممارسة الضغوط عليه، وكان ردّه الدائم والمستمر: لا للصلح، ولا للأحلاف. وقرّر تنفيذ المشروع بالتمويل الذاتي، والمساعدات السوفياتية. وكان أن قرّر في 26 تموز تأميم شركة قناة السويس لتمويل المباشرة في تنفيذ السد.        

نتج عن التأميم حربٌ عُرفت باسم العدوان الثلاثي، والذي شنّته بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل، بقصد استعادة بريطانيا لوجودها في مصر بحجة حماية الملاحة في القنال، وفرنسا لاسترداد القنال التي كانت أكبر المساهمين في شركتها المؤمّمة، وإسرائيل بقصد التخلّص من حكم عدوها، الرئيس عبد الناصر، لمصلحة حليفَي العدوان. وقد انتهى ذلك العدوان بتهديدٍ سوفياتي بقصف باريس ولندن بالقنابل النووية، وإعلانٍ أميركي برفضه. وقد جاء هذا الرفض ليس دفاعاً عن موقف عبد الناصر، بل منعاً لعودة النفوذ البريطاني إلى الشرق الأوسط. ولكن بقي موقف عبد الناصر على حاله: لا للصلح، لا للأحلاف.

أمام هذا الموقف قرّرت الإدارة الأميركية وضع نهايةٍ للحكم  الناصري. وتؤكّد الوثائق الأميركية، والتي رُفعت عنها السرية، أنّه وبعد الوقائع التي مرّ ذكرها، قرّر الرئيس أيزنهاور في نهاية عام 1956، وبعد أسابيع على فشل العدوان الثلاثي، والربح السياسي العالمي الذي حقّقه الرئيس عبد الناصر، وتحوّله من زعيمٍ مصري عربي إلى زعامةٍ عالمية، ضرورة إيجاد بديلٍ له. ويفضح ذلـك برقية وجّهها في 12 كانون الأول 1956، إلى وزير خارجيته جون فوستر دالاس الذي كان يحضر اجتماعاً لوزراء خارجية حلف الأطلسي في باريس يقول فيها: "إننا نرى ضرورة الشروع سراً، على مستوى الأركان، لوضع سياسات وخطط يستطيع الغرب بمقتضاها العمل على جعل الشرق الأوسط آمناً من التغلغل السوفياتي. ويحدوني اعتقادٌ مستمر أنّ من بين الإجراءات التي يتعيّن علينا اتّخاذها أن نقيم بديلاً عربياً لناصر، والاختيار الطبيعي هو على ما يبدو يتمثّل في الرجل الذي طالما تحدثنا أنت وأنا عنه". ويقول الرئيس أيزنهاور في مذكراته أنّ البديل المقصود هو الملك سعود بن عبد العزيز.

جاء قرار الرئيس الأميركي تنفيذاّ لتوصية مجلس الأمن القومي المرفوعة سنة 1949،  إلى الإدارة الأميركية. وتحوّلت السياسة الأميركية من محاولات استيعاب النظام الناصري إلى سياسة إسقاط عبد الناصر، وذلك للوصول إلى تنفيذ التوصية المذكورة.

ومنذ ذلـك التاريخ بدأ العداء الأميركي لمصر التي تحوّلت إلى الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958، وتآمرت الولايات المتحدة عليها وأسقطتها سنة 1961. وسنة 1962 حصلت ثورة اليمن برئاسة عبد الله السلاّل، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، قامت المملكة العربية السعودية بشنّ حرب على الثورة، دفاعاً عن نظام الأئمة، ما أدّى بالرئيس عبد الناصر وبضغطٍ من الرئيس أنور السادات، والمشير عبد الحكيم عامر، إلى التدخّل مسانداً الثورة، فكان أن دخلت مصر الحرب اليمنية التي استمرت سنوات.

وكان يفاجئ الولايات المتحدة الأميركية أنّه رغم ما يواجه عبد الناصر من إنتكاسات، فقد كانت مصر والأمة العربية تتشبثان بقيادته، فيما شعبيته تتزايد، فتقرر الانتقال إلى إسقاطه عسكرياً بحربٍ مع إسرائيل. ويبدو أنّ التنفيذ بدأ منذ سنة 1966، ففي منتصف هذه السنة حصلت معارك سورية- إسرائيلية سقط فيها لسوريا، التي باتت محكومة من حزب البعث السوري، إحدى عشر طائرة، كما جرت معارك بسلاح المدفعية على بحيرة طبريا، وهو ما أدّى بالسوريين إلى زيارة عبد الناصر في أواخر سنة 1966، وأصرّوا على أن تكون مواجهة إسرائيل من قِبل مصر وسوريا. وما جرى مع سوريا جرى أيضاً مع الأردن في أواخر سنة 1966، بهجومٍ شنّته القوات الإسرائيلية على بلدة السموع، وأجرت القيادة الأردنية اتصالاتها مع مصر وسوريا، وتم توقيع اتفاقية دفاعٍ مشترك بين الدول الثلاث.

وتثبت برقية شفوية من دايفيد نيس، القائم بالأعمال الأميركي في القاهرة، إلى نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط الأدنى وجنوب شرق آسيا، ذات الرقم 573، تاريخ 27/12/1966، وتؤكد أنّ القرار النهائي لإنهاء نظام عبد الناصر هو بحربٍ تتم في خلال أشهر.

ومنذ بداية سنة 1967، بدأت إسرائيل بافتعال الإشكالات المسلّحة على حدود سوريا والأردن المرتبطتين باتفاقية دفاعٍ مشتركٍ مع مصر، وزعمت الدولتان أنّ هناك حشداً على حدودهما، وطلبتا من مصر الالتزام باتفاقية الدفاع المشترك.

ودون الدخول في تفاصيل المسرحية التي حاكتها الولايات المتحدة، وإسرائيل، وسوريا حزب البعث، وأردن الملك حسين، والاتحاد السوفياتي، عن سوء نية أو حسن نية، وهذا ما سيظهره التاريخ، يمكن استنتاج أنّ حرب 5 حزيران لم تكن نتيجة معركة جوية فوق مجرى نهر الأردن في الأراضي السورية، أو معركة بلدة السموع في الخليل، بل هي نتيجة تخطيط أميركي- إسرائيلي- عربي و( سوفياتي ؟) 

 بالنتيجة كانت الطريق إلى 5 حزيران سنة 1967 قد عبرت التواريخ السياسية والواقعية التالية:

1 ــ    توصية مجلس الأمن القومي الأميركي في 17/11/1947 
2 ــ    فشل كافــة محاولات الإدارة الأميركية منذ سنة 1952 حتى نهاية 1956 بتطويق عبد الناصر، وضمّه إلى أحلافٍ أميركية وصلح مع إسرائيل 
3 ــ    قرار الرئيس أيزنهاور بإسقاط عبد الناصر سنة 1956، بعد العدوان الثلاثي

 4 ــ    محاولات إضعاف الرئيـس عـبد الناصر مـن خلال الانفصال البعثي عن الجمهورية العربية المتحدة، وحرب اليمن، وهو ما أدّى إلى نتيجة عكسية.
5 ــ    خلق أجــواء توقيع اتفاقيــة دفاعٍ مشترك بين مصر، وسوريا حزب البعث، وأردن الملك حسين، وقد كانا من خصوم ناصر في السياسة.
6 ــ    إجراء حشــود عسكرية إسرائيلية، شبــه وهمية، على الحــدود السورية والأردنية .
7 ــ    إقناع السفيرين الأميركي والسوفياتي للرئيس عبد الناصر بأنّ الأزمة ستحلّ سلمياً، وأن لا يكون هو البادئ بالمعركة.
8 ــ   إغراق إسرائيل في 7 حزيران لسفينة الاتصالات الأميركية "ليبرتي" بقصد إخفاء مساعدتها الطيران الإسرائيلي على التحليق بارتفاعٍ لا يتجاوز ثلاثين متـراً فوق البحر، وهو يتـجه لتـنفيذ الغـارات الأولـى علـى المطــارات الحربية المصرية، تجنباً لها.

ويحق لجيلنا أن يتساءل، ما دام الحشد الإسرائيلي على الحدود السورية كان شبه وهمي، لماذا أصرّ حزب البعث على توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر؟ والسؤال الأهم، لماذا أعلنت قيادة حزب البعث عن سقوط الجولان قبل أن يسقط؟

وإضافةً إلى التساؤل أعلاه، لماذا خاطب الملك حسين جيشه في اليوم الثاني للمعركة  قائلاً، يا بقايا جيشي، وقد ثبُت بعد المعركة أن جيشه لم يُمس تقريباً؟

وكانت نتيجة 5 حزيران أن اعتقدت الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ومن شاركها التمثيل لإقحام ناصر في الحرب، أن الحلم قد تحقّق، وأن الحرب قد انتهت في يومها الخامس، فقد استقال الرئيس في يوم 9 حزيران. 

ولكن الحلم الشيطاني لم يستمر إلّا أقل من أربعة وعشرين ساعة، لأنّ الجماهير المليونية التي أُطلق عليها اسم جماهير 9 و 10 يوليو، والتي اجتاحت البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، قالت له، "أنت القائد. وأنت من سيسترد الأرض والكرامة. فعاد عن استقالته، وأسقط حلم الحلف الجهنمي، وأعلن بعد أشهر حرب الاستنزاف، ووضع خطة حرب العبور، وتحرير سينــاء حتى ممرَّي "متيلّا وجدي"، وأعطي لها اسم "غرانيت"، وتحدّد موعد تنفيذها في ربيع سنة 1971، وهي عين خطة "بدر" التي نفّذها السادات بالعبور، وأعلن أنّه سيتوقف بعد عشرة كيلومترات، وإنّها الحرب الأخيرة مع إسرائيل.

كلمة أخيرة أقولها من القلب انّ معركة الخامس من حزيران، والتي ربحها العدو لم تُنهِ الحرب في التاسع منه، لأنها استمرت انطلاقاً من عدم تمكّن العدو من تحقيق حلمه بالتخلّص من الرئيس عبد الناصر، ومن متابعتها بحرب الاستنزاف، والحرب السياسية، والجهوزية للعبور في ربيع سنة 1971، ولكنه ربحها في 28  أيلول سنة 1970، عندما تحالف القدر مع الولايات المتحدة والعدو الصهيوني، وأسلم الزعيم الخالد روحه لخالقه.